ماذا تفعل بهذا المخلوق ؟!
شاء الله أن يرسله فجراً بينما الجميع نيام وعلى حين غرة منهم يشق طريقه وينثر في الأرجاء صياحاً وسط مباركة الجميع وما أن يدخل نور إلى عينيه ثم يرى أول وجه في حياته .. وجه الداية حتى تقلبه رأساً على عقب وتسلخ مؤخرته لتعلن أول كف يأكله في حياته .. فيهّم بالبكاء … ويستمر هذا الحال طويلاً … في كل الأوقات والأمكنة .
كان الأول .. كبش الفداء كما يسمونه … حيث يجربون كل أساليب التربية والإطعام وحتى تغير الملابس الداخلية عليه … كبر وعاش على هذا الحال .. نال حظه من مط الخدود ولطمها ثم تقبيلها من كل سيدات الحي ..
أدخلوه الحضانة ..وحيداً غريباً فلم يخبره أحد عنها من قبل .. خطفه المدير من بين أحضان الوالدين وأبرز ابتسامة صفراء حينما دسوا في جيبه رزمة من الليرات … كان اليوم الأول عصيباً ثم قرر أن يثور و في اليوم التالي رفض الذهاب للمعتقل … ذاك المكان الذي تسجن فيه المواهب والزهور بدلاً من أن تتفجر … لكن ثورته هذه خابت وربطه والده على كرسيه ثم أخذه ليضعه بين أحضان الآنسة والمدير .. مضت سنة على حساب جدار الزنزانة .. أمضاها في قراءة الحروف وكتابة الأعداد بيده اليسرى ثم يرمي إلى جوفه صندويشة لبنة … بعد هذه الفترة أصبح جاهزاً لتغير معتقله إلى واحد أكبر .. هذه المرة عليه الدخول بين الوحوش لوحده … حتى لم يكن هناك مدير يستلمه ولا آنسة تدله على زنزانته … حشروه بين ستين من أمثاله … كتل لحم ضمن ثلاجة ضخمة … يحشونهم كل يوم على مدى خمس دفعات … وفي آخر المطاف يفرغون تلك الحشوة … هذا ما يدعونه بالتعليم .. ودونما معلم أو مرشد درس العربية والتاريخ … حل مسائل الرياضيات لوحده .. ورسم أشكال العلوم بدون طباعة .. كان رائداً … برعمٌ أخضر بين كومة أحجار … وبعد خمس سنين أرغموه بتعلم لغة إضافية غير ما اللغتين اللتان خلق وهو يتكلم بهما .. خيروه بين لغتي إحتلال لا مفر … ومن حظه المتعثر كان نصيبه لغة نابليون بونابرت وبكلمة صغيرة مع صاحب الثلاجة تحول لدراسة لغة مادلين اولبرايت .
غيروا غلافه إلى اللون الزيتي … ونظموه ضمن صفوف و أرتال .. يرتدي خوزة ويمشي النظام المنضم .. يتدحرج وينظف بجسده شوك وحجارة المعتقل .. هكذا حتى وصل البروفيه .. اليوم عند صاحبنا شهادة … وما أحلاها من شهادة .. مارس حقه بالحصول على الدروس الخصوصية كباقي أولاد سنه … فاز بالشهادة ولم يحتفلوا به ..
أعسر اليد … ضعيف البصر … منزوع اللوز … هكذا يمضي حياته ويشكر ربه ويحمده على النعم التي أغدقها عليه … فلا ينسى كيف نجى من حادثتي اصطدام .. وكيف خرج من تجت سيارة سمينة جلست فوقه … ولا ينسى كيف اختاره المرض من بين مليون طفل ليعقد معه اتفاقية حضانة لم تلغى حتى حصلوا على علاجه من بلاد ما وراء الحدود ..
بعدما رأينا بعض ما عليه هذا المخلوق .. لو كان بين يديك ماذا تفعل به ؟
… هل تقتله وتزيح عنه الألم وتريح العالم منه ؟
.. ام تدعه يستمر بعطائه ويحترق شمعة تنير درب العابرين ؟
. وإن كان لديك غير هذا فأخبرني به ..
دمتم
أسلوب جميل جداً .. ما بدأت هذه التدوينة حتى أنهيتها شوقاً لقراءة المزيد .. : )
هذا المخلوق يكفيه التميز، يكفيه أنه مختلف، ولو كان بين يدي لما فعلت شيئاً سوى أني قد أشجعه ليبقى مختلفاً وأن يستمر ..
شكراً لحرفك : )
تحياتي
اعتقد ان هذا المخلوق نسي انه ليس الوحيد الذي يعاني و ان لكل منا معاناته واكثرها اشد الم من معاناته ..
تحياتي
ربما أتركه يكمل مسرحيته، كما أفعل الآن ، رغم اختلاف السيناريو الطفيف، إلا أنها مسرحيات متشابهة ستنتهي عندما ينتهي نصها لا داعي لإسدال الستار عليها قبل ذلك قد تحمل مفاجآت لا أعرفها ولا تعرفها أنت.
فرح :: كم يشجعني حقاً واحترم جداً وقتك الذي اضعتيه في قراءة ما كتبت ..
نعم انه متميز … متميز بانه مختلف … لكن ألا تري معي أنه من الصعوبة بمكان ان يبقى الانسان متميزا بين الكثير من النمطين حيث يحتم عليه التخفيف او قتل بعض تميزه حتى يمكنه مجاراة النمطيين من حوله … او ينتظر متميزاً مثله حتى ينسجم في حياته معه ويجد من يفهم عليه
اشكر مرورك ورأيك المهم جدا بالنسبة لي
لورد :: نعم .. ومن نظر لآلام ومعاناة ومصائب الآخرين هانت عليه مصيبته … اهلا بك في مدونتي
يوراميوم :: حسناً … إلى المستقبل لنمضي و نترقب …:)
بصراحة الأسلوب أكثر من رائع ….
يستقبل الطفل العالم باكيا يذرف الدموع …..وينتهي برحيله عن هذا العالم بذرف الدموع أيضا ويظل خلال مسيرته الحياتية يراوح بينهما
دام قلمك …
اهلا بك عزيزي الداعية واشكر مرورك الكريم ورأيك واطراءك
أرجو ان القى اسمك مرة اخرى بين الصفحات
بل أقبله بين عينيه .. وأرسم ابتسامة لرؤية وجهه .. وأنحني أمامه احتراماً وإجلالاً .. أشم عطره وأتنفس هواه .. لأن ولد “إنسان” له حرية وكرامة وكيان ..
ما هذه المشاعر الفياضة عزيزي مستر بلوند … الحرية شيء ثمين … لا يكتمل بريقه بدون الكرامة
اهلا بك دائما
أنت بأسلوبك الأدبي الشيق تهول الأمور فالمعاناة التي يعانيهاالشخص الذي تحدثت عنه(والذي عرفناه جميعا ) يعاني منها اغلب الناس ولكن الانسان بطبعه لايرَ إلا مشكلته ولايشعر إلا بمعاناته ولو نظر حوله قليلالحمد الله على ما هو عليه ولايوجد انسان في هذا الكون خال البال أو مرتاح فلكلٍ نصيبه من الهموم والمرض والأحزان
فابتسم هناك دائما من هو أشقى منك
تقبل تحياتي
ان هذا الانسان يشبهني الى حدااا ما مع اختلاف بعض الاشياء….
ومع ذلك اتابع الطريق نحو المحهول……….
اسلوب رائع جدااا يا صديقي ولقد اذهنلي
سعدوا جداااا بمروي بمدونتك…..
موضع رائع
اعتقد اني سادعه يواصل فهذا قدره وانا لست حكيمتا بهذه الحياة ولااعلم مغيبات هذه الحياة
انما اقدم له مااستطيع من عنايه وهتمام
ما اشعر به هو الاحباط لذلك لن لنجب طفلا