إلى احداث غزة …
ترصيع بالذهب على سيف دمشقي / نزار قباني
أتراها تحبني ميسون … أم توهمت والنساء ظنون
كم رسول أرسلته لأبيها … ذبحته تحت النقاب العيون
يا ابنة العم والهوى أموي … كيف أخفي الهوى وكيف أبين
كم قتلنا في عشقنا وبعثنا … بعد موت وما علينا يمين
ما وقوفي في الديار وقلبي … كجبيني قد طرزته الغصون
لا ظباء الحمى رددن سلامي … والخلاخيل ما لهن رنين
هل مرايا دمشق تعرف وجهي … من جديد أم غيرتني السنين
يا زمانا في الصالحية سمحا … أين مني الغوى وأين الفتون
يا سريري ويا شراشف أمي … يا عصافير يا شذا يا غصون
يا زواريب حارتي خبئيني … بين جفنيك فالزمان ضنين
واعذريني إذا بدوت حزينا … إن وجه المحب وجه حزين
هاهي الشام بعد فرقة دهر … أنهر سبعة وحور عين
النوافير في البيوت كلام … والعناقيد سكر مطحون
والسماء الزرقاء دفتر شعر … والحروف التي عليه سنونو
هل دمشق كما يقولون كانت … حين في الليل فكر الياسمين
آه يا شام كيف أشرح ما بي … وأنا فيك دائما مسكون
سامحيني إن لم أكاشفك بالعشق … فأحلى ما في الهوى التضمين
نحن أسرى معا وفي قفص الحب … يعاني السجان والمسجون
يا دمشق التي تقمصت فيها … هل أنا السرو أم أنا الشربين
أم أنا الفل قي أباريق أمي … أم أنا العشب والسحاب الهتون
أم أنا القطة الأثيرة في الدار … تلبي إذا دعاها الحنين
يا دمشق التي تفشى شذاها … تحت جلدي كأنه الزيزفون
سامحيني إذا اضطربت فإني … لا مقفى حبي ولا موزون
وازرعيني تحت الضفائر مشطا … فأريك الغرام كيف يكون
قادم من مدائن الريح وحدي … فاحتضني كالطفل يا قاسيون
احتضني ولا تناقش جنوني … ذروة العقل يا حبيبي الجنون
احتضني خمسين ألفا وألفا … فمع الضم لا يجوز السكون
أهي مجنونة بشوقي إليها … هذه الشام أم أنا المجنون
حامل حبها ثلاثين قرنا … فوق ظهري وما هناك معين
كلما جئتها أرد ديوني … للجميلات حاصرتني الديون
إن تخلت كل المقادير عني … فبعين حبيبتي أستعين
يا الهي جعلت عشقي بحرا … أحرام على البحار السكون
يا الهي هل الكتابة جرح … ليس يشفى أم مارد ملعون
كم أعاني في الشعر موتا جميلا … وتعاني من الرياح السفين
جاء تشرين يا حبيبة عمري … أحسن الوقت للهوى تشرين
ولنا موعد على جبل الشيخ … كم الثلج دافئ وحنون
لم أعانقك من زمان طويل … لم أحدثك والحديث شجون
لم أغازلك والتغزل بعضي … للهوى دينه وللسيف دين
سنوات سبع من الحزن مرت … مات فيها الصفصاف والزيتون
سنوات فيها استقلت من الحب … وجفت على شفاهي اللحون
سنوات سبع بها اغتالنا اليأس … وعلم الكلام واليانسون
فانقسمنا قبائلا وشعوبا … واستبيح الحمى وضاع العرين
كيف أهواك حين حول سريري …يتمشى اليهود والطاعون
كيف أهواك والحمى مستباح … هل من السهل أن يحب السجين
لا تقولي : نسيت لم أنس شيئا … كيف تنسى أهدابهن الجفون
غير أن الهوى يصير ذليلا … كلما ذل للرجال جبين
شام يا شام يا أميرة حبي … كيف ينسى غرامه المجنون
أوقدي النار فالحديث طويل … وطويل لمن نحب الحنين
شمس غرناطة أطلت علينا … بعد يأس وزغردت ميسلون
جاء تشرين إن وجهك أحلى … بكثير ما سره تشرين
كيف صارت سنابل القمح أعلى … كيف صارت عيناك بيت السنونو
إن أرض الجولان تشبه عينيك … فماء يجري ولوز وتين
كل جرح فيها حديقة ورد … وربيع ولؤلؤ مكنون
يا دمشق البسي دموعي سوارا … وتمني فكل شيء يهون
وضعي طرحة العروس لأجلي … إن مهر المناضلات ثمين
رضي الله والرسول عن الشام … فنصر آت وفتح مبين
مزقي يا دمشق خارطة الذل … وقولي للدهر كن فيكون
استردت أيامها بك بدر … واستعادت شبابها حطين
بك عزت قريش بعد هوان … وتلاقت قبائل وبطون
إن عمرو بن العاص يزحف للشرق … وللغرب يزحف المأمون
كتب الله أن تكوني دمشقا … بك يبدا وينتهي التكوين
لا خيار أن يصبح البحر بحرا … أو يختار صوته الحسون
ذاك عمر السيوف لا سيف إلا … دائن يا حبيبتي أو مدين
هزم الروم بعد سبع عجاف … وتعافى وجداننا المطعون
وقتلنا العنقاء في جبل الشيخ … وألقى أضراسه التنين
صدق السيف وعده يا بلادي … فالسياسات كلها أفيون
صدق السيف حاكما وحكيما … وحده السيف يا دمشق اليقين
اسحبي الذيل يا قنيطرة المجد … وكحل جفنيك يا حرمون
سبقت ظلها خيول هشام … وأفاقت من نومها السكين
علمينا فقه العروبة يا شام … فأنت البيان والتبيين
علمينا الأفعال قد ذبحتنا … أحرف الجر والكلام العجين
علمينا قراءة البرق والرعد … فنصف اللغات وحل وطين
علمينا التفكير لا نصر يرجى … حينما الشعب كله سردين
إن أقصى ما يغضب الله فكر … دجنوه وكاتب عنين
وطني، يا قصيدة النار والورد … تغنت بما صنعت القرون
إن نهر التاريخ ينبع في الشام … أيلغي التريخ طرح هجين
نحن أصل الأشياء لا فورد باق … فوق إيوانه ولا رابين
نحن عكا ونحن كرمل حيفا … وجبال الجليل واللطرون
كل ليمونة ستنجب طفلا … ومحال أن ينتهي الليمون
إركبي الشمس يا دمشق حصانا … ولك الله حافظ و أمين
Comments are closed.