تسميم المستهلك بين جونسون اند جونسون ومرتديلا هنا
في خريف عام 1982م، في مدينة شيكاغو الأمريكية، قام شخص معتوه بشراء وفتح عِلَب مُستحضَر مُسَكِّن الآلام “تيلينول” وإفراغ كبسولاتها واستبدالها بكبسولات ملوثة بمادة السيانيد السامة، ثم أعاد إحكام إغلاق العلب، وأعادها خِفيَة إلى ستة أو سبعة مَحَالّ. النتيجة كانت مريعة.. وفاة سبعة أشخاص تسمماً!
أدركت شركة “جونسون آند جونسون” المالكة لماركة “تيلينول” أنها تعيش أزمة حقيقية. رئيس الشركة آنذاك “جون بيرك” لم يتوانَ لحظة واحدة عن التفاعل مع الحدث.
استراتيجية إدارة الأزمة
كوَّن رئيس الشركة فريقاً من كبار تنفيذييه لإدارة الأزمة، ولخَّص لهم مهمتهم في نقطتين جوهريتين:
1- ضمان سلامة المستهلِكين، ثم 2- إنقاذ المنتَج (تيلينول). ( لاحظ ترتيب الأولويات ) .. فاق نجاح حملة “جونسون آند جونسون” في إدارة أزمتها كل التوقعات، لدرجة أنه لا يخلو الآن كتَاب عن “إدارة الأزمات” من قصة النجاح هذه.
كانت أول خطوة قامت بها الشركة تأسيسُ فريق لإدارة الأزمة، يتكون من إداريين تنفيذيين بيدهم سلطة القرار، مدعومين بمستشار قانوني، وخبير في العلاقات العامة والإعلام.
بعد ذلك قامت الشركة بإصدار تحذير عام لكافة المستهلِكين، ليس في شيكاغو وحدها بل في كامل الولايات المتحدة، بالامتناع عن شراء الدواء حتى الانتهاء من التحقيق في ملابسات الحادث والتأكد من سلامته (تخيلوا أن الشركة تحذر من شراء منتجها الذي قد يكون آمناً جداً.. وهو ما قد تعده شركاتنا نوعاً من الجنون بالتأكيد).
تبعَ ذلك سحبُ كامل كميات الدواء الموجودة في الأسواق من “كامل” الولايات المتحدة! فضحّت الشركة بأرباح مبيعات كبيرة، وتحمّلت خسائر قاصمة للظهر، من أجل بث الثقة في نفوس مستهلكي منتجها (تيلينول).
ومن أجل ضمان عدم تكرار هذه الحادثة مستقبلاً، قامت الشركة بتزويد علبة مستحضرها الدوائي بثلاث طبقات تغليف جديدة، تمنع فتحه وإعادة إغلاقة دون ملاحظة العين. كما قامت بإجراء فحص عشوائي مستمر لعينات تؤخذ من المحال والصيدليات.
أما الإعلام، فقد وظفت الشركة رسائلها عبره بشكل عزز من تعاطف الناس معها. لقد بَنَتْ الشركة قضيتها إعلامياً على أن منتجها (تيلينول) كان ضحية سوء استغلال من مجرم سعى إلى إيذاء الناس.
بعد ذلك، صرَّحت الشركة عن دعم أهالي الضحايا مادياً ومعنوياً، مع أنها لم تتسب فعلياً بوفاة ذويهم ممن تناولوا الأدوية المسمومة. كما أن سحْب الشركة لمنتجاتها، وتحمُّلها خسائر تصل إلى 100 مليون دولار من أجل ضمان سلامة مستهلٍكيها، قد ساعد في تبييض وجهها وتلميع صورتها، وإعادة ثقة المستهلِكين في منتجاتها، مما مكنها من إعادة طرح منتجها في الأسواق بقوة بعد التأكد من سلامته، فأقبل الناس عليه بثقة، وعادت الأرباح تتدفق بقوة، بعد أزمة مزعجة كادت الشركة أن تفقد أثناءها ثقة المستهلِكين فيها.
مرتديلا هنا من جديد !
هذا المثال يذكرنا بالشركة المصنعة لمرتديلا هنا التي تم ضبط العديد من العبوات الفاسدة و بعد الأخذ والرد وتسببها وفق بعض التقارير بوفاة عدة أشخاص بينهم أطفال ، تعاملت الشركة مع الأزمة بشكل سيء جدا مما فاقم المشاكل ، حيث قامت بحملة إعلانية هجومية تعمل على تكذيب وتخوين الجميع والمخابر الفاحصة والتقارير الرسمية واستخدمت فيها الأطفال !، ولم تقم حتى بسحب الوجبة الفاسدة من السوق .. وهذا ابسط ما يمكن القيام به في حال واجهت الشركة أزمة ثقة ( وهذا ما فعلته شركات تصنيع السيارات في السنة الأخيرة من سحب مئات آلاف السيارات لوجود عيوب حتى لو بسيطة وتفعله دائما الشركات المصنعة للمنتجات الغذائية )
المستهلِك الآن ليس غبياً، فمع وجود الشبكات الاجتماعية والأجهزة الذكية ارتفع منسوب وعيه الاقتصادي، واكتشف قيمة إرادته. اليوم هناك فايس بوك و تويتر و يوتيوب يمكن تنظيم حملات مقاطعة من خلالها تؤدي لخسائر بمئات الملايين . على الشركات الاهتمام بهذا الجانب وتحقيق وجود إيجابي و تواصل فعال مع الزبائن والتعلم من تجارب شركات اخرى وقعت في أزمات مشابهة .
هي مؤامرة من شأنها ضرب لحمتنا الوطنية .. لحمة مرتديلا هنا
مشكووووووووووووووووووووووووووووور
[…] اقرأ أيضاً: تسميم المستهلك بين جونسون اند جونسون و مرتديلا هنا […]
شكرا لكم لذكر المقالة ونتمنى ذكر تجارب مماثلة اخرى