تجربة الإدارة على المكشوف في سلسلة متاجر دكستر الأمريكية
كانت (دكستر) سلسلة مزدهرة من المتاجر الأمريكية الكبرى، وكان أغلب عملائها من جمهور الطبقة العاملة، حيث اعتمدت على البيع بأسعار منخفضة، مع توفير مختلف السلع تحت سقف واحد. لكن الإدارة حولت النجاح السابق إلى سلسلة من الكوارث، فأغدقت من أموال المنظمة على
المكاتب الفاخرة والسيارات الفارهة، ثم استثمرت معظم الأرباح في أنشطة خارج نطاق خبرتها كالأثاث والمفروشات، ففشلت هذه الاستثمارات وأهدرت أرصدة حيوية.
اتجهت الشركة إلى ولايات أخرى وأنشأت فروعا في مناطق غنية، مبتعدة بذلك عن قاعدتها الأساسية من الطبقة العاملة. واجهت الشركة في المناطق الجديدة منافسة المتاجر الراقية غير المرتبطة في أذهان العملاء بالطبقة العاملة، بينما أعطى تحول انتباه وموارد المنظمة إلى
مناطق الدخل المرتفع، فرصة لتوسع متاجر أخرى منافسة على حساب حصة دكستر من أسواق الطبقة المتوسطة والفقيرة.
كانت دكستر على حافة الهاوية عندما فصل مجلس الإدارة مدير الشركة، وعين تشرلس بيرو خلفا له في محاولة للإنقاذ.
وجد بيرو العاملين في حالة انهيار معنوي، ووجد المركز الرئيسي في عزلة وانقسام. لم يعتمد بيرو على الإصلاح البطيء، ولم يلتفت حتى لماكان ناجحا في الماضي قبل بدء مرحلة التوسع الفاشلة. وبنهاية السنة الأولى لإدارته كان كل أعضاء اللجنة الإدارية الخماسية – إلا واحدا – قد استبدلوا بأعضاء لم يسبق لهم العمل في دكستر.
شددت اللجنة الجديدة على نقطتين:
الأولى هي بناء استراتيجية تنافسية ناجحة، وتمت صياغتها في عبارة بسيطة نصها: “نحن نلتزم بتوفير الاحتياجات اليومية لأسر الطبقة العاملة”.
أما النقطة الثانية فهي إعادة تشكيل ثقافة المنظمة التي تدعم هذه الاستراتيجية، فقد استحدثت اللجنة عددا من القواعد التي صيرت جميع العاملين أندادا، بمعنى ألا تتيح الدرجة الوظيفية الأعلى ميزة خاصة دون مسئولية مقابلة، وجعلت من كل زميل في كل موقع بالمنظمة مسئولا عن
المبيعات. وهذا هو جوهر التولي والتخلي. ازدادت مساحة الاختيار المتاحة لمديري المتاجر، ولم تعد سياسة التسعير تفرض عليهم دون نقاش، وتحول المديرين الإقليميون إلى قادة مهمتهم دفع مديري المتاجر للتفكير كرجال أعمال أو كأصحاب عمل، وهذا هو جوهر الإدارة على المكشوف.
ازداد نطاق المسئولية والاختيار أمام بقية العاملين أيضا. في الماضي كان المدير يقضي ٣٠ % من وقته في متابعة المواسم والأعياد والإجازات والأحوال الجوية وغيرها من الظروف ليحدد طلبات المتجر واحتياجاته القادمة، أما الكن فقد توزعت مسئولية الاختيار بالكامل على الأقسام المختلفة بحيث يجتمع العاملون في كل قسم ويتخذون قرارات الطلب بأنفسهم، دون الرجوع لمدير الفرع.
اتجهت جهود بيرو مع لجنته الإدارية بعد ذلك صوب المركز الرئيسي، الذي كان المديرون يصفونه بالغرور والتجاهل واللامبالاة، بينما يرونه الكن سريع الاستجابة. لقد حظي المركز الرئيسي باهتمام بيرو ومتابعته الشخصية، حيث أوضح لمختلف إداراته أن أي طلب أو استفسار يرد من أحد الفروع يجب أن يلبى خلال ٢٤ ساعة، ونبه على مديري الفروع أن يتصلوا به إذا مضت تلك الفترة دون استجابة. وكان أي تأخير عن ٢٤ ساعة يدفع بيرو إلى اتخاذ قرارات حازمة لم يكن باستطاعة العاملين في المركز الرئيسي تجاهلها.
رغم ذلك ظلت إدارات المركز الرئيسي هرما إداريا متعدد المستويات والوظائف، فكانت كالقلاع المتباعدة التي لا يجمعها رابط. فكون بيرو فريقا للتجديد من مديري المركز الرئيسي قوامه ٢٠ فردا، وكانت مهمته تخطيط وتنفيذ ما أسماه بيرو بالقفزة الكبرى لمتاجر دكستر. اختار فريق التجديد أضعف متجرين، وفصل أربعين في المائة من المديرين فيهما، وأعيد تصميم المتجرين وتم تزويدهما بمنتجات جديدة. لم تكن جهود التغيير على أعلى درجة من الكمال، ولكنها زادت المبيعات بنسبة ٦٠ %، وكان هذا كافيا لإقناع فريق التغيير بإجراء تغييرات مماثلة في ٣٥ متجرا أخرى. اتسم فريق التجديد بالمرونة والتعاون مع مديري المتاجر، وكان العميل هو الفيصل في أي خلاف يطرأ بين الفريق والمديرين، إذ كانوا يدعون عددا من العملاء للأخذ بآرائهم في التجديدات المقترحة.
كونت (دكستر) أيضا اثني عشر فريقا متخصصا لمراقبة التغيير في العمليات، ولكن هذه الفرق لم تلغ الهيكل التنظيمي والتدرج الهرمي للسلطة على نحو فوري ، بل أخذت موقعها على قمة البناء التقليدي كي تمنح العاملين من مختلف التخصصات فرصة العمل الأفقي عبر الوظائف، بدلا من العمل الرأسي في الإدارات الوظيفية التقليدية.
جرب (تشارلس بيرو) في السنة الثالثة استراتيجية جديدة، حيث أنشأ عددا من متاجر التوفير المصممة للقضاء على الهرم الإداري، فقد كان لكل متجر من متاجر دكستر التقليدية ٣٠ مديرا، ثم تراجع هذا العدد في متاجر التجديد إلى ٢٠ مديرا، أما متاجر التوفير فكان يديرها ٤ مدراء فقط، رغم تساويها في الحجم وعدد العاملين مع باقي المتاجر. وفي هذا يقول بيرو: “إن في الكف عن التغيير إغراء كبيرا، ولكنه خطأ كبير أيضا”.
كيف تم لدكستر مثل هذا النجاح ؟
تتم خطوات التحول الناجح إلى الأفقية بهذا الترتيب.
1- الخطوة الأولى: يحوّل قادة المنظمة ما يحيط بها من ضغوط تنافسية إلى رؤية تدفع بالمنظمة في اتجاه محدد. متى ارتبط التغيير بالمهام الاستراتيجية الأساسية للمنظمة ولم يحد عنها، فإنه يمد جذوره في تربة المنظمة. لذا لا يمكن للقادة دفع العاملين لتبني التغيير دوما رؤية واضحة
لعمق التغيير المطلوب واتساعه وأهم عناصره. فليست الاستجابة للعملاء استثناء من هذه القاعدة. وليست الأفقية نوعا من التطوير الجزئي الهاديء، فهي تنطوي على تدمير خلاق ومستمر للتوجهات القديمة بكاملها، وهي التوجهات التي اعتادها العاملون، والتي نالوا على أساسها
أوضاعهم الوظيفية، المادية والمعنوية الحالية، وهو ما يقطع باستحالة قبول هؤلاء لفكرة تفكك المنظمة وإعادة بنائها ما لم يقتنعوا بأن متطلبات وضغوط البيئة التنافسية هي الدافع لهذا التغيير. لقد وهب (بيرو) شركته رؤية غنية بتفاصيلها الإجرائية وبقدرتها على حث العاملين وتحفيزهم.
٢- الخطوة الثانية: تتبنى الإدارة العليا وتلتزم بهدف استراتيجي يجعل سرعة الاستجابة للعملاء محورا للعمل. لهذه الخطوة أسس ثلاثة هي:
أ- ربط الأفقية باستراتيجية المنظمة: وذلك بتحديد الوضع الحالي للمنظمة في سوق منتجاتها، الوضع الاستراتيجي المنشود، والكيفية التي ستسهم بها الأفقية في تحقيق هذا الهدف.
ب- الالتزام الجماعي للقيادة: حيث لا يمكن للقيادة أن تصل بالمنظمة إلى الأفقية الكاملة في غياب قدر من التفاهم والتعاون. ومتى عجزت القيادة عن توليد مثل هذا الالتزام في صفوفها فسوف تعاود المنظمة الانقسام على هيئة وحدات منفصلة، وربما متنافسة. فالمطلوب هو هدم الانتماء للوحدات أو الإدارات المنفردة، وإحلال الانتماء للمنظمة بكاملها محله.
ج- العمل الجماعي: على أعضاء اللجنة الإدارية العليا أو ما يماثلها كقيادة عليا بالمنظمة أن يعملوا كفريق واحد لا كشرذمة من الفرقاء. مما يعني إعادة النظر في الأدوار والمسئوليات الحالية، وتعديلها باتجاه يسمح بانسجام الأداء، أو تغيير أعضاء اللجنة أو بعضهم كما فعل (بيرو). هذه الخطوة هي أهم خطوات التحول وأكثرها حساسية، إذ يوقد الالتزام الشخصي للقائد شرارة أولى لانتشار الأفقية، ولكن غياب الالتزام المشترك للإدارة العليا حول دون امتدادها لتسود المنظمة.
فقد أعلن (فنفولد) ورجاله تبنيهم للأفقية وخدمة العملاء، ولكن هذا الإعلان كان يختلف عن النوايا الحقيقية لأغلبهم، بينما احتاط (بيرو) للصدام الحتمي بين مفاهيم الحرس القديم والمفاهيم الجديدة بتغيير الأفراد الذين تسببوا في الخسائر.
٣- الخطوة الثالثة: تحول المنظمة وحداتها تدريجيا إلى مراكز ابتكارية تلبي حاجات العميل. يتطلب التحول الناجح تغييرا شاملا. ومتى حاولت المنظمة أن تغير كل شئ في نفس الوقت فلن يكون التحول ناجحا. وإذا توزعت جهود التغيير بين المكان ومديره، وبين البشر ونظم
الرقابة، أو بين جودة المنتج واستراتيجيات التسعير، وغيرها من عناصر البناء التنظيمي فستتفرق الجهود وتذهب سدى. ويزداد الأمر صعوبة متى كان لكل وحدة من وحدات المنظمة مسئوليتها المنفردة حيال جانب مستقل من نشاط المنظمة. الصواب هو التركيز على عدد من الوحدات والعناصر، ثم التحول إلى غيرها، مثلما فعلت دكستر في متاجر التجديد.
٤- الخطوة الرابعة: تكون المنظمة فرقا متخصصة لمراقبة التغيير في العمليات وفريقا لمراقبة التحول في نطاق المنظمة بالكامل. وهذه هي الخطوة التي تنشر التغيير في جميع أنحاء المنظمة، والنقطة الفاصلة في التحول. فقد يتعرض التغيير لانتكاسات حادة ما لم تتم الخطوات السابقة بالترتيب
الصحيح والكفاءة المطلوبة. فحين كونت دكستر إثني عشر فريقا لتغيير العمليات، أمكن لهذه الفرق – بناء على نجاح الخطوات الثلاث السابقة – أن ترسي دعائم التحول الكامل والتغيير الجذري لكل عمليات المنظمة. وتحولت اللجنة الإدارية إلى فريق متابعة التحول الذي قدم التوجيه اللازم وكل التسهيلات الممكنة للإسراع بالتغيير. فقد كان لفريق مراقبة التحول مهام أربع هي:
− نشر الوعي بأهمية التغيير.
− ملاحظة التفاعلات الناتجة عن التغيير، سواء بين الوحدات أو الأفراد.
− مراجعة جهود التغيير وتصحيح مسارها.
− التنبؤ بالمقاومة ومواجهتها.
٥- الخطوة الخامسة: تمكين الفريق إداريا ومهاريا. وهو ما يعتمد بصفة رئيسية على وضوح الرؤية لدى الإدارة العليا، واستعدادها لتوسع نطاق المعلومات المتاحة ودائرة الاختيار أمام الفرق، مع التأكد من قدرة هذه الفرق فنيا على الاختيار الصحيح، وعلى أن تتسم الاختصاصات الجديدة الموسعة بالوضوح الشديد، بحيث لا تحتاج الفرق إلى توجيهات الإدارة العليا أو تدخلاتها إلا فيما ندر. متى تجاهلت المنظمة الخطوة الثانية صار من المؤكد أن تتعثر في الخطوة الخامسة، فسوف تواجه الفرق في غياب الالتزام المشترك للإدارة العليا بالتغيير ومقتضياته، عقبات كثيرة تودي بفاعليتها.
٦- الخطوة السادسة: إعادة تخطيط النظم الإدارية للمنظمة على نحو يضمن الاستجابة القصوى لرغبات العملاء. حين تتيح المنظمة لمديريها وعامليها مستوى أعلى من حرية التصرف واتخاذ القرار، يجب أن يتبع ذلك توفير المادة الخام لصنع القرار: وهي المعلومات، مما يستدعي تطوير نظم جمع وتحليل وتوزيع المعلومات من حيث السرعة والدقة والسهولة. كما يجب إحلال نظم جديدة للقياس تسمح بالتعرف على كفاءة المعلومات، إذ تدور نظم القياس التقليدي حول كفاءة الأداء الفردي. ويقتضي ذلك ألا تركز المقاييس الجديدة للأداء على المبيعات بقدر تركيزها على كفاءة المنظمة في تلبية رغبات عملائها عامليها. فهناك ما لا يمكن للمنظمة الأفقية أن تتجاهله من المتغيرات، ومنها معدلات الغياب ودوران العاملين ومستوى الخدمة المقدمة للعميل والتطور في أداء العاملين. فالقياس الحقيقي لكفاءة المنظمة الأفقية هو قدرتها على إمداد العملاء بأقصى قدر من القيمة المضافة.
شكرا جزيلا وحقيقة متابع لكم بشغف
لي طلب فضلا
يرجي ان تكون المقالات كاملة في الخلاصات RSS حيث انها تاتي مقدمة فقط حوالي ٩ اسطر
بارك الله فيكم
الله يعطيك العافية على هذا المقال الرائع والتحليل الاروع
شكرا لك اخي محمدعلى المقال الجميل ,.. جزيت خيرا