كيف ينظر علم التسويق إلى جولة تسوق يومية معتادة ؟
يقوم بروس ماكلين كما يفعل الملايين من المستهلكين بجولة أسبوعية إلى السوبر ماركت المحلي لشراء احتياجاته . و في صباح سبت مشمس قاد بروس سيارته إلى السوبر ماركت Giant مع ابنته أنجيلا ذات الثلاثة أعوام .و بمجرد مروره أمام الأبواب الأمامية للسوبر ماركت دخل بروس إلى واحدة من أكثر البيئات المعلوماتية تعقيداً التي يمكن للمستهلك أن يواجهها . فالمحلات الأميركية متوسطة الحجم تكون مكدسة بـ 10 آلاف مادة أو سلعة أما المحلات الكبيرة يمكنها أن تحتوي على أكثر من 20 ألف سلعة استهلاكية .و توفر محلات السوبر ماركت الكبيرة الكثير من البدائل لكل صنف من أصناف المنتج . كما تحتوي أغلفة المنتجات على الكثير من المعلومات ، فعلبة متوسطة من حبوب الفطور تحتوي على 250 معلومة مفردة .و بالرغم من كل هذه التعقيدات لا يشعر بروس ( كمعظمنا )لا يشعر بأية حيرة أو اضطراب حول التسوق من أجل هذه السلع الاستهلاكية و حتى أنه متشوق إلى حد ما في هذا المكان المألوف بالنسبة له .
و خلال 50 دقيقة التالية (معدل الوقت الذي يقضيه المستهلك في جولة تسوق واحدة ) سيقوم بروس بمعالجة قدراً هائلاً من المعلومات كما سيقوم باتخاذ قرارات عديدة خلال هذه الفترة ليملئ عربة التسوق خاصته و الكثير من القرارات سيقوم باتخاذها بسرعة و سهولة و بجهود قليلة .بعض هذه القرارات ستتضمن تفكيراً قد يستغرق بضع دقائق و بعضها قد تتطلب ثواني عدة فقط .
كيف يقوم بروس بالتحرك خلال هذه البيئة المعلوماتية بسهولة مشترياً عشرات من المنتجات هو موضوع هذه المقالة حيث أن عمليات الشعور و الإدراك تجعل هذا التحرك ممكناً .
مضامين دائرة سلوك المستهلك
إن جولة بروس ماكلين يمكن تحليلها إلى أربعة عناصر :
1.السلوك .
2.البيئة .
3.استراتيجيات التسويق .
4.العوامل الداخلية المتعلقة بالشعور و الإدراك .
تم تنظيم هذه العوامل في نموذج يدعى ” دائرة تحليل المستهلك ” و بسبب تفاعل هذه العوامل و تأثير كل واحد منها على الأسلوب التبادلي و المستمر الذي يحدث بينها لا يمكن فهم كل واحدة منها على حدة. لذلك نبدأ تحليلنا للشعور و الإدراك من خلال تحليل جولة التسوق لبروس ماكلين فيما يتعلق بأربعة عناصر في نموذج دائرة تحليل المستهلك .
أولاً – البيئة Environment
كيف تبدو بيئة السوبر ماركت ؟ في صباح السبت يكون مزدحماً بالناس في الممرات و كثرة الازدحام هذه تسبب الضجيج و لأن بروس يتسوق مع ابنته أنجيلا فتزيد أحاديثهم من الضجيج الموجود .و هذه المظاهر الاجتماعية للبيئة ستؤثر على شعور بروس و إدراكه و سلوكه الظاهر . تصميم السوبر ماركت ، عرض الممرات ، لوحات الدلالة الخاصة بالرفوف ، عروضات مرئية للمنتجات على الشاشة داخل المحل و المظاهر المادية الملموسة الأخرى لبيئة السوبر ماركت سيكون لها تأثير واضح أيضاً .
هناك عوامل بيئية أخرى كالحرارة في السوبر ماركت ، الموسيقا التي ترافق عملية التسوق ، حتى أن العجلات لعربة التسوق التي أخذها بروس سيكون لها تأثير هام على شعور بروس و إدراكه و سلوكه .
ثانياً – السلوك Behavior
ما نوع السلوك الذي يظهر في هذه الحالة ؟ ارتبط بروس بعدد كبير من السلوكيات التي تضمنت المشي عبر الممرات ، النظر إلى المنتجات الموجودة على الرفوف ، التقاط و فحص العلب ، التحدث مع أنجيلا و أصدقاء التقى بهم في المتجر ، دفع عربة التسوق … و بينما هذه السلوكيات قد تلفت انتباه المدير التسويقي لكن بعضها لها تأثير كبير على شعور بروس و إدراكه و شرائه اللاحق.
و بشكل عام يهتم المسوقون بشكل أساسي بالسلوك الشرائي في بيئة السوبر ماركت و هذا يتضمن الالتقاط للسلع picking up و وضعها في عربة التسوق placing it و دفع ثمنها paying عند المحاسب .
ثالثاً – استراتيجيات التسويق Marketing strategies
إن الجزء الكبير من بيئة المتجر التي مر بتجربتها بروس تتعلق بقرارات الإستراتيجية التسويقية التي وضعها تجار التجزئة و المنتجين المتعاملين مع المتجر . و في الواقع فإن محل السوبر ماركت مكان جيد لمراقبة الطرق التي تنفذ بها الاستراتيجيات التسويقية الموضوعة . و العدد الكبير من السلع و المنتجات المباعة في المتجر تتطلب بالمثل نفس عدد من الاستراتيجيات التسويقية الخاصة بها .
فالتنوع في استراتيجيات التسعير ( تخفيض سعر بسكويت Oreo ) و استراتيجيات الترويج ( عينات مجانية من الجبن ) كلها ظواهر واضحة في بيئة السوبر ماركت ، تصميم التغليف ( علب الحليب سهلة الفتح ) و مواصفات خاصة بالمنتج ( الطعام المجمد المنخفض الحريرات ) أيضاً هي استراتيجيات تسويقية .
و أخيراً فإن تفاصيل صغيرة خاصة في المتجر مثل عرض المنتجات في نقطة الشراء Point-of-purchase displays ( مجموعة من ست علب بيبسي موضوعة في مدخل المتجر ) كلها مظاهر هامة من الإستراتيجية التسويقية .و كل هذه الاستراتيجيات التسويقية تعتبر محفزات بيئية تستهدف التأثير على شعور المستهلك و إدراكه و سلوكه .
رابعاً – الشعور و الإدراك
لقد تنبه نظام الشعور و الإدراك لدى بروس في السوبر ماركت و الحقيقة أن الشعور و الإدراك لأي شخص يكون منبهاً في أي بيئة يتعرض لها الشخص و بأساليب مختلفة و لكن بعض الفعاليات للشعور و الإدراك قد لا تكون واعية بينما الفعاليات الأخرى قد تظهر دون وعي مبذول.
على سبيل المثال قد يشعر قليلاً بالغضب إذا كانت عجلات عربة تسوقه تتذبذب وتتخلخل ، كما أنه قد يلاحظ مظاهر مادية في المتجر و يتجاهل مظاهر أخرى حيث تستولي بعض المنتجات اهتمامه أكثر من غيرها . و سيقوم بتفسير و ترجمة كميات هائلة من المعلومات التي يتلقاها في المتجر بدءاً من إشارات الممرات و اللافتات و أسماء العلامات التجارية و الأسعار الخ…إلى الملصقات الغذائية …بالإضافة إلى أنه سيقوم بتقييم بعض المنتجات لمقابلة احتياجاته و احتياجات عائلته .فهو يتذكر المنتجات التي لا يزال يملكها في البيت و المنتجات التي نفذت لديه و يحتاج لشرائها .فيقوم بالاختيار من بين 10 – 20 ألف مادة استهلاكية تقريباً المتاحة أمامه في السوبر ماركت .
بالإضافة إلى ذلك يقوم بروس باتخاذ قرارات حول السلوكيات الخاصة الأخرى مثلاً هل يحتاج بالمرور بالممر رقم 3 أم عليه أن يتخطاه هذا الأسبوع ؟ هل عليه شراء طرداً من الأناناس المعلب أم عليه شراء علبة واحدة فقط؟ هل عليه إعادة عربة التسوق و إحضار واحدة أخرى أفضل ؟ هل عليه الدفع نقداً أم بواسطة شيك ؟ هل عليه اقتناء الأكياس الورقية أم أكياس النايلون ؟
إذاً بالنتيجة فإن سلوك بروس الشرائي للسلع الاستهلاكية يعتبر مجموعة من الوظائف المعقدة في بيئة مادية و اجتماعية . و الاستراتيجيات التسويقية تهدف التأثير عليه و على العمليات التي تحدث في شعوره و إدراكه . و بعد 45 دقيقة من دخوله السوبر ماركت Giant يخرج بروس مع خمسة حقائب من المشتريات تحتوي على 48 منتج مختلف .
و بعد استعراض تحليلنا لجولة تسوقه ربما قد نفاجئ بأنه يبتسم و لا يشعر بالتعب على الإطلاق و في الحقيقة هو يفكر في مباراة التنس .
نلاحظ مما تحدثنا عنه أن جولة تسوق تعتبر أمر اعتيادي وحتى ترفيهي بالنسبة للبعض ، تشكل فرصة ودراسة وعلم وتخطيط لمدراء التسويق والباحثين ، كيف يمكنك التأثير على المستهلك أثناء تسوقه لتنبهه وتجذبه وتجعله يبني قراره الشرائي .
Comments are closed.