سكة الحديد .. أول تطبيق لفصل الإدارة عن الملكية

بالرغم من أنَّ فترة الثورة الصناعية الأولى قد عرفت نموَّ الكثير من المصانع إلى منظمات كبيرة لكن حتى عام 1875 لم تكن المؤسسات الضخمة المكوَّنة من وحدات إنتاجية وتجارية مستقلة ومنسقة واسعةَ الانتشار. تغيَّر ذلك الوضع على أيدي الصناعيين الروَّاد مثل روكفلر وكارنيجي وفورد وشركات سكك الحديد العملاقة. وشهدت شركات الأعمال مزيداً من النمو في مجالات متعددة وتعرَّف العالم على شركات المساهمة الحديثة modern Corporation ووظيفة المدير منفصلةً عن الملكية.

كان نمو شركات السكك الحديدية من أبرز مميزات التصنيع في أمريكا وكان أيضاً من أهم الممارسات العملية التي أبرزت الحاجة لنظام شركات المساهمة الحديثة ومثَّلت أيضاً نموذجاً تطبيقياً على الاتجاه الجديد في تنظيم الأعمال وإدارتها.

ولدت هذه الصناعة أصلاً في بريطانيا عام 1804 وتم تطويرها لتصبح أكثر عملانيةً في عام 1830 على يد الانكليزي جورج ستفنسون Stephenson George ثمَّ امتدَّت إلى بقية الدول الأوربية بالتزامن مع أميركا.إلا أنها كانت تعاني في أوربا من أجواء السيطرة الحكومية، وتعاني في بريطانيا من شدة ازدحام السوق والتناثر بين متنافسين كثيرين صغار، ففي عام 1840 كان في بريطانيا الصغيرة نسبياً 104 شركات للسكك.

كان الوضع مختلفاً تماماً في أميركا بعد الحرب الأهلية فقد كانت الأكثر ليبرالية وتحرراً وفردية والأكثر اتساعاً. ولذلك تمكنت شركات السكك فيها من النمو بشكل أسرع لتصبح هي التجارة الأضخم “The Big Business” وكان نظام شركات المساهمة الحديث الضروري لبقائها ناشطاً ومدعوماً بالتشجيع والتشريعات الحكومية.

تطلَّبت أعمال السكك جهوداً وإنفاقات هائلة تتجاوز حجم العمل في أي من المجالات الاقتصادية الأخرى ووظفت فيها أعداد هائلة من الأيدي العاملة. إنَّ ضخامة حجم الأعمال جانب واحد من المسألة ولا يكفي وحده لقيام مؤسسة الأعمال الحديثة. الجانب الآخر المهم في قيام الشركات الحديثة هو رأس المال الهائل فمن أين لها به؟ كان التنظيم كشركة مساهمةٍ معروفاً من قبل نشوء شركات السكك بزمن طويل ولجأت هذه الشركات إلى بيع الأسهم كمصدر رئيسي لتأمين رساميلها الهائلة.

في عام 1835 تم التداول في وول ستريت Wall Street بأسهم ثلاث شركات وارتفع العدد بعد خمس عشرةَ سنة إلى ثمانٍ وثلاثين وفي عام 1855 شكلت أسهم شركات السكك نصف حجم التداول في سوق الأوراق المالية الأميركية. واستمرت في اكتساب المكانة الأكبر في سوق التداول بعد نهاية الحرب الأهلية في عام 1865.