مفهوم الإبتكار حول العالم
عندما نتحدث عن الإبتكار قد تخطر لك أفكار معينة، لكن هل بالضرورة أن ينظر كل شعوب العالم لمفهوم الإبتكار بنفس النظرة ؟ ماذا عن الياباني واختلافه عن الأوربي والأميركي ؟ .. سنستعرض في هذه المقالة مفهوم الابتكار لدى هذه الشعوب والشركات .
الابتكار على الطريقة اليابانية:
بداية من عام ١٩٦٠ – عندما كانت اليابان مجرد دولة أجهدتها الهزيمة، واعتمدت الشركات اليابانية على التجارة في المنتجات المستوردة، انطلقت اليابان – بخطى ثابتة حتى أصبحت قوة اقتصادية عظمى تنتج ما يكفيها وتصدر لجميع دول العالم. سار الابتكار داخل الشركات اليابانية طبق ا للمنهج التالي:
١. استيعاب التكنولوجيا والتقنية العالمية التي بدأت انتشارها في الستينيات، وتدريب جيل من المهندسين اليابانيين الشبان عليها.
٢. الانطلاق من هذه التكنولوجيا بغرض التفوق عليها والوصول بها إلى منتهاها.
٣. توليد تكنولوجيا ذاتية تعتمد على المهندسين والخبراء اليابانيين، لا على الغير.
٤. استخدام أسلوب التطوير المستمر في الابتكار الإنتاجي.
٥. الوصول بالتكنولوجيا المطورة إلى مرحلة القفزة.
ومن العجيب أن الشركات اليابانية نتيجة انغماسها في الابتكار لا تجري بحوث ا لاستطلاع الأسواق قبل طرح المنتجات الجديدة وفي ذلك يقول “ماسارو إيبوكا” رئيس مجلس إدارة “سوني”: إن هذا الأسلوب ليس أكثر خطر ا أكثر خطر ا من احتمالات الخطأ في استطلاع الأسواق، فنحن نبتكر ما لم يعرفه المستهلكون قبلا ، وليس ما يفكرون فيه”.
تبلغ نسبة نجاح المنتجات اليابانية الجديدة بالأسواق ٩٥ %، وتتقبل الشركات اليابانية نسبة الفشل ( ٥%) بصدر رحب في سبيل حب المخاطرة والابتكار. ولا تهتم الشركات اليابانية، كثير ا باستطلاع السوق قبيل طرح المنتجات الجديدة، بل تعتمد على ما يسمى بأسلوب “التجربة وسرعة تصحيح الخطأ”، فتدفع بالمنتجات المبتكرة إلى الأسواق بسرعة، ثم تبدأ في التعديل بناء على ردود أفعال العملاء واعتماد ا على منهجها في التطوير المستمر.
فعندما قرر “هوندا” دخول السوق الأمريكية، أصدر منتجاته من الدرجات البخارية ثم عدلها وطور فيها أكثر من سبع مرات خلال أقل من عامين، وذلك كي تتلاءم دراجته البخارية من طبيعة الطرق الأمريكية التي تختلف كثير ا عن الطرق اليابانية.
فكيف تحدد الشركات اليابانية أهدافها الإنتاجية وكيف تصوغ استراتيجيتها الإبتكارية، بعيد ا عن اعتمادها على استطلاعات السوق؟
الإجابة على هذا التساؤل نجدها لدى شركة “كانون” اليابانية. فداخل هذه الشركة تضع الإدارة التحدي التالي أمام العاملين:
“تقديم منتج يفوق في الجودة منتجات المنافسين، وطرحه في الأسواق بنصف السعر”. وعندما يوضح هذا الهدف للعاملين، يفتح أمامهم الباب للابتكار والعمل.
وعادة ما تتبع الشركات اليابانية أسلوب القفزة في الابتكار وذلك على مستوى الإنتاج وأداء العمليات معا. أيضا تتميز الشركات اليابانية عن مثيلاتها الأوربية بتطبيقها لتنظيم فرق عمل متداخلة الوظائف، مما يؤدي إلى شمول قاعدة التجديد والابتكار لكل أقسام الشركة.
الابتكار على الطريقة الأوربية:
تركز الشركات الأوربية على تطوير المنتج القائم بدلا من ابتكار منتج جديد، وتركز هذه الشركات على إحياء المنتجات القديمة، فالشركة الأوربية تفضل التخصص على التنويع في مجال الإنتاج، لذلك تدور كل استراتيجياتها حول تطوير أداء العمليات، فقد اهتمت الشركات الأوربية بتطبيق منهج إعادة الهيكلة وتقليص العمالة وإعادة التنظيم.
إذا ما تأملت المنتجات الأوربية فستلاحظ أنها كلها تتميز بثبات الشكل الخارجي، فشركات السيارات الأوربية تسعى دائما لتثبيت الشكل الخارجي لطرزها رغم التعديلات التي تضيفها على كل طراز، ومن الصعب تماما على أي مهندس أوروبي أن يقبل إضفاء تعديلات جوهرية على الشكل الخارجي للسيارة التي ينتجها مصنعه. هكذا تتميز الاستراتيجية التسويقية للشركات الأوربية بالثبات والتركيز على إضفاء صفة التميز الشكلي على منتجاتها وذلك على عكس الشركات الأمريكية واليابانية التي تفضل التنويع.
رغم ذلك يفضل الأوربيون تطبيق هذه الاستراتيجية التسويقية ويرون أنها هي المسئولة عن تمييز أسماء “مرسيدس” و “بي إم دبليو” و “جاجوار” وفولكس فاجن”. كانت نقطة ضعف الشركات الأوربية هي عدم تنوع وتعدد وتداخل وظائف أعضاء فرق العمل، بل نادرا ما كانت تنظم فرق عمل لتتولى مشروع ما، وإنما كانت الشركة تقسم إلى إدارات وظيفية دون تداخل بينها.
الابتكار على الطريقة الأمريكية:
احتلت رابرميد RUBBERMAID المركز الأول بقائمة ” “فورتشن، عام ١٩٩٥ . تنتج “رابراميد” ٣٦٥ منتج جديد في العام بمعدل منتج جديد كل يوم ، وتحتوي قائمة منتجاتها على تنوع كبير، فهي تنتج صناديق البريد ولعب الأطفال وأثاث المكاتب وكولمان الرحلات وكراسي الملاعب الرياضية والأدوات الرياضية والكثير مما يصعب حصره.
يشترك في تصميم المنتجات عشرون فريق عم يعملون بطريقة تداخل الوظائف وتشابك المهام. يتكون فريق العمل من خمسة أو سبعة أعضاء (عضو من كل قسم: التسويق ، التصنيع، البحوث، المالية … الخ، حسب احتياج المشروع)، لا يعني ذلك انغلاق التطوير والابتكار على هذه الفرق بل يوفر تداخل الوظائف سهولة دخول أعضاء جدد إلى الفريق و سهولة تنقل الأعضاء بين الفرق المختلفة.
تأتي نسبة ٣٣ % من إيرادات الشركة من مبيعات المنتجات الجديدة التي صدرت خلال الخمسة أعوام الأخيرة، ونسبة ٢٥ % من الإيرادات تعتمد على الأسواق خارج الولايات المتحدة.
جدير بالذكر أن أسلوب استطلاع السوق قبل طرح منتج جديد هو أحد الطرق التقليدية للابتكار على الطريقة الأمريكية، وهذا يناقض الأسلوب الياباني، ورغم ذلك ماتزال الشركات الأمريكية تقع في خطأ المبالغة في دراسة واستطلاع أراء العملاء ومنح هذه الكراء أكبر من وزنها الذي تستحقه.
فمن المأثورات عن “هنري فورد” قوله: ” إن العدو الحقيقي للسوق ليس هو الشيوعي بقدر ما هو المهندس، فالأخير يصر على أن ينتج المنتج طبق لمفاهيمه دون اعتبار لما يطلبه المستهلكون”.
في هذا القول تبدو كل الاستراتيجية الأمريكية واضحة فهي تركز على الابتكار في مجال التسويق أكثر مما تركز على الابتكار في مجال الإنتاج أو أداء العمليات، ولذلك يقف الابتكار الأمريكي في مجال الإنتاج عند حد التطوير المستمر للمنتجات، قليلة هي الشركات الأمريكية التي تنتهج أسلوب القفز في تطوير المنتجات.
تؤكد إحصائيات مؤسسة “ماكينزي وشركاه” أن اليابانيين يطورون منتجاتهم في نصف إلى ثلث الزمن الذي يستغرقه نظراؤهم من الأمريكيين في تنفيذ عملية تطوير مماثلة، ويستخدمون في ذلك من ثلث إلى عشر النفقات التي يستخدمها الأمريكيون. رغم ذلك تقول هذه الإحصائيات أن البقاء داخل حدود الميزانية المحددة لمشروعات التطوير هي أهم ما يركز عليه المدير الأمريكي على نقيض المدير الياباني.
مقال ممتاز جدا. يلقى الضوء على السبب الرئيس فى تميز المنتجات اليابانيه عن نظيرتها الأمريكيه والأوربيه, ويفتح أفاق جديدة للتفكير. تحياتى
مقالة مميزة فعلا … نحتاج المزيد و المزيد لنستفيد أكثر و أكثر من علمك
مقال جد ممتاز شكرا لك
كما تتمثل المهمة الثانية لمديري الشركات في السعي إلى التنمية الاقتصادية في الأسواق العالمية. سيما وانّه في السابق، حققت الشركات اليابانية نمواً ملحوظاً من خلال الانخراط في منافسة ودية فيما بينها، وذلك من خلال تطوير منتجات ذات جودة عالية، وتتسم بالتفوق على مثيلاتها الاجنبية عبر تعزيز هياكلها. ولعل هذه عبارة عن استراتيجية نمو ذات اتجاه واحد، مقرها اليابان، وكانت نتيجتها منتجات ذات جودة عالية وأداء فائق. لكن من جهة أخرى واكبت السلع الباهظة الثمن الخاصة بتلك الشركات العديد من الصعوبات ومنها أنها كثيراً ما تفشل في تلبية متطلبات الزبائن في الخارج. وهذا يعني انه يجب على الشركات والمؤسسات الاتجاه بقوة نحو العولمة في السنوات القادمة وبالتالي جعل هدفها ثنائي الاتجاه. وهذا يتطلب جعل التوطين في المواقع التجارية في الخارج من أكبر هموم الشركات. كما يجب على الشركات اليابانية الابتعاد عن التركيز على تصدير السلع، والسعي عوضاً عن ذلك لخلق القيمة على المستوى المحلي. وبِغنى عن القول، أن الشركات اليابانية مجبرة على الإهتمام بإقامة تحالفات في البلدان الأجنبية مع الشركات المحلية من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ.