القوى الست التي تهدد الإدارة
قوة العملاء:
الاهتمام بالعملاء يعبر عن ثقافة جديدة تنتهجها المنظمات. وقد يبدو للوهلة الأولى أن هناك تعارضا بين خدمة العملاء وخدمة المستثمرين وحملة الأسهم على اعتبار أن الفئة الأخيرة تهتم بالنتائج المالية بالدرجة الأولى. ولكن هذا غير صحيح لسبب بسيط وهو أن النتائج المالية لا تتحقق إلا من خلال الاهتمام بالعملاء.
ينبع التعارض بين قوة العملاء وقوة المديرين من التكاليف العالية التي تفرضها طبقة الوسطاء (المديرين) على خدمة العميل، بالإضافة إلى أن وضع العميل في بؤرة اهتمام الشركة يحتم التخلص من الإدارة الوظيفية والتخلص من كل الأنشطة الداخلية التي لا تضيف قيمة ولا تستجيب بسرعة لرغبات العملاء واحتياجاتهم.
وقد أظهرت الدراسات أن الوقت الذي يقضيه المديرون في متابعة العملاء لا يزيد عن ٥%، وأن معظم وقتهم يضيع في إدارة الشؤون الداخلية لمنظماتهم. وقد بين (واترمان) الذي شارك (توم بيترز) في تأليف كتاب (البحث عن التميز) أن المنظمات التي أبلت بلاء حسنا في السوق هي تلك التي تضع العميل في بؤرة اهتمامها. وهذا يؤدي بدوره إلى زيادة نسبة احتفاظها بالعملاء ومن ثم زيادة ربحيتها. وعلى العموم فإن ولاء الشركة للعميل يؤدي بالضرورة إلى ولاء العميل للشركة والمنتج، فيمكن الشركة من زيادة نصيبها من السوق، ومن ثم زيادة وتخفيض التكاليف، على اعتبار أن الاحتفاظ بأكبر نسبة من العملاء تخفض تكاليف التسويق بنسب كبيرة.
قوة المعلومات:
وهي القوة الثانية الفاعلة التي برزت في الثلاثين عاما الماضية. في الماضي، كانت تكنولوجيا المعلومات تمثل تكلفة إضافية استخدمتها الإدارة كامتداد للبيروقراطية. الآن، بدأت تكنولوجيا المعلومات تحل محل العنصر البشري القائم بدور الوسيط بين العميل ومقدمي المنتج أو الخدمة، أي أنها أصبحت دعما للعلاقة بين العميل ومقدم الخدمة، وليس للمديرين. تم هذا بفضل التقدم في الحاسبات الشخصية، وحزم البرامج الجاهزة، حيث صار ممكنا استخدام تكنولوجيا المعلومات لجمع البيانات وتحليلها ونشرها بتكلفة أقل. وأصبح دور الإدارة الوسطى في جمع المعلومات ونشرها محل تساؤل.
ولأن المعلومات قوة، كانت الكثير من الطبقات الإدارية تعتمد على تلك القوة في وجودها، ولسهولة الوصول للمعلومات ورخصها أخذت هذه القوة في التراجع، وصح توقع (هارولد ليفيت) حيث تنبأ عام ١٩٥٨ بأن الحاسبات ستقضي على الإدارة، خصوصا الإدارة الوسطى.
فهل ستقضي تكنولوجيا المعلومات على العملية الإدارية برمتها؟ الإجابة جزئيا نعم. لأن وظيفة الإدارة في جمع المعلومات ونقلها بين أرجاء المنظمة أصبحت عملا روتينيا. أما وظيفة الإدارة في فهم تلك المعلومات واستخدامها لتطوير أنشطة العمل فإنها تضيف قيمة لأداء المنظمة. وهذه الوظيفة يمكن نقلها من أيدي المديرين إلى أيدي العاملين، ولن يتحقق ذلك إلا بتعديل الهياكل التنظيمية الموجودة، والتخلص من المقاومة التي يبديها المديرون في وجه هذا التغيير. وعندما تطبق تكنولوجيا المعلومات بصورة مبتكرة يمكن التخلص من ٨٠ % من الوظائف الإدارية، وقد تصل النسبة إلى ١٠٠ % في نهاية هذا القرن. وستلعب تكنولوجيا المعلومات دورا متناميا في رقابة الأداء كليا، وتدعوا كثير من المنظمات إلى تبني برامج جاهزة لرقابة الأداء كليا تحتوي على العناصر الحاكمة للأداء في كل صناعة.
قوة المستثمرين:
تمثل هذه القوة الاهتمام المتزايد بالاستثمار. فقد بدأت في تغيير شكل العلاقة بين المؤسسات الاستثمارية والمديرين الذين ينوبون عن المستثمرين في إدارة أعمالهم. وهي تمثل ضغوطا على المديرين كي يتصرفوا كما لو كانوا مالكين حقيقيين، ويمكن تحقيق ذلك بتمليكهم حصصا من أسهم الشركات التي يديرونها، أو من خلال مشاركتهم في الحوافز والأرباح. وهذه القوة تؤكد على أهمية وشرعية حاملي الأسهم وعدم شرعية الحفاظ على مديرين لا يؤدون المطلوب منهم. هذا فضلا عن أصحاب الأعمال والمستثمرين قد بدءوا يؤكدون قوتهم في محاسبة الإدارة والتخلص منها عندما يكون أداؤها ضعيفا. ولتحسين الأداء بذلت محاولات كثيرة لتحويل المديرين إلى مالكين عن طريق مشاركتهم في الأرباح.
قوة السوق العالمية:
وهي القوة الرابعة الدافعة باتجاه تحرير السوق العالمية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة المنافسة عالميا، وبالتالي إلى حدوث تغيرات جوهرية في الكيفية التي يدار بها العمل. لا تستطيع أي منظمة مهما كانت درجة كفاءتها وحجمها أن تصبح رائدة عالميا فيما تقدمه من منتجات أو خدمات
دون أن تعمل حسابا للمنظمات العالمية الأخرى، فلا تستطيع شركة فورد أن تعمل بمعزل أو تتجاهل شركة هوندا اليابانية. وعندما تواجه الشركات المنافسة العالمية فإنها تضطر لرفع كفاءتها وللتخلص من الترهل الإداري، ومن الأنشطة عديمة القيمة. فتكون النتيجة ارتفاعا في العائد، والجودة، وخدمة العملاء، والأرباح. المنافسة العالمية جعلت الكلمة العليا للمنظمات الأكفأ. ولن تقدم قوانين الحماية والإجراءات التي تستعين بها بعض الدول لحماية أسواقها إلا حلولا مؤقتة، وهي قوانين تجعل قدرة هذه الدولة على المنافسة عالميا أكثر صعوبة. هذا يعني أن الإدارة لن تجد مكانا كمنا تختبئ فيه. ملجأها الوحيد حتى الكن هو المؤسسات الوطنية في الأسواق المحلية المتمتعة بالحماية، وحتى هذا المكان لم يبقى كمنا
إلى الأبد، بسبب تبني معظم الحكومات لسياسات تعمل على تشجيع كلية السوق، والتخلص من الحواجز التي تعوق تدفق التجارة والخدمات بين الدول.
قوة البساطة:
تهدف البساطة إلى التخلص من التعقيد الذي يجعل إدارة المنظمات أكثر تكلفة وأقل سرعة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تقسيم العمل إلى وحدات صغيرة تتمتع بالاستقلالية مما يقلل الحاجة إلى إدارة مركزي. ويجب على المنظمات التركيز على ما يحقق لها ميزة تنافسية والتخلص من الأنشطة التي تحقق عائدا هامشيا مما يجعل المنظمات أكثر بساطة وتركيزا. منذ الثورة الصناعية أصبحت الشركات أكبر حجما وأكثر تنوعا حتى تستفيد من ميزة وفورات الحجم والاحتكار وزيادة حصتها في السوق. من الناحية النظرية، فإن وفورات الحجم تعمل على توزيع التكاليف الثابتة على الإنتاج الكبير مما يقلل من تكلفة الوحدة المنتجة. ولا شك في أن حصة السوق الكبيرة تؤدي إلى زيادة القدرة التنافسية. إلا أن كثيرا من اللاعبين الصغار حققوا أرباحا تربوا على تلك التي حققها الكبار. ويرجع ذلك إلى أن الشركات الكبرى تعاني من الترهل والسمنة الزائدة مما حد من قدرتها على تحقيق التوازن بين العرض والطلب، بالإضافة إلى التكلفة الإضافية للتعقيد التي تتزايد بمتوالية هندسية مع كبر الحجم متخطية ميزة وفورات الحجم.
قوة القيادة:
وهي القوة الأخيرة التي تهدد الإدارة، وذلك بسبب قوة القادة وقدرتهم على إدارة المنظمات دون الحاجة إلى المستويات الإدارية الكثيرة. فقد كانت الإدارة العليا تعتمد على الإدارة الوسطى لإمدادها بالمعلومات وتحويل رغباتها إلى خطط قابلة للتنفيذ. ولكن القادة الجدد يرون أن هذا الشكل البيروقراطي معقد ومعوق للعمل. ما حققه (جاك ولش) لشركة (جنرال إلكتريك) يعتبر نموذجا يحتذى، فهو من الرواد فيما نطلق عليه الكن الهندرة، قم قام بإغلاق ما قيمته ١٠ مليار دولار من المصانع والفروع، وخفض عدد العاملين من أربعمائة ألف إلى ثلاثمائة ألف، وضاعف حجم المبيعات مركزا على الأعمال التي تحقق فيها الشركة ريادة عالمية، ومتخلصا من الطبقات الإدارية الزائدة. ولم يلجأ (ولش) للممارسات الإدارية التقليدية، بل
لجأ إلى دعاية قوية لتوصيل رؤيته للجميع مستخدما قوة شخصيته للتأثير في الكخرين، بادئا بفريق صغير مؤمن برؤيته ورسالته ومستعد لتوصيلها للكخرين، متخلصا من الهيكل التنظيمي ومركزا على أنشطة وعمليات القيمة المضافة، مستخدما تعريفات لم تكن موجودة مثل اللاحدود، والمستويات المرجعية، وأفضل الممارسات، وأن الضمان الوحيد للحفاظ على الوظيفة هو العميل. هذا يعني أن نمط القيادة يجب أن يتغير من مرحلة إلى أخرى. لأن تخفيض التكاليف والهندرة والصراخ في العاملين لن يحقق متطلبات المرحلة الجديدة. فقد تغيرت أساليب (جاك ولش) في القيادة، لكن قبضته على المنظمة لم تضعف أبدا.
Comments are closed.