أيتها الدول البدينة .. شدي الحزام
عندما تذهب الدول المتعثرة مالياً إلى طبيب الاقتصاد العالمي – كما يعتبر نفسه – يوصف لها دواء واحد يدعى بالتقشف Austerity، أي حان الوقت لشد حزام البنطلون حتى تعيش الدولة حسب امكانياتها المالية، كما يقول المثل الشعبي “على قد بساطك مد رجليك”.
يحدث لدى الدول التي تنفق بشكل كبير يفوق عن واردتها أن يظهر كرش وهو الدين العام للدولة الذي يكبر بشكل تدريجي وحتى ما لا نهاية إذا كانت معدلات العائد المطلوبة على سندات الدولة تفوق معدل النمو الحقيقي في الاقتصاد.
من المعلوم نظرياً أن أي دولة تنفق بشكل كبير هذا يؤدي لزيادة الطلب الكلي في اقتصادها بالتالي تتحسن معدلات النمو والناتج المحلي الإجمالي ما يجعل الدولة قادرة على دفع التزاماتها المالية وتخفيف العجز في ميزانيتها العامة وخدمة ديونها.
لكن تظهر المصيبة عندما نعرف أن نمو الدين العام للدول سببه عمليات الإنقاذ المالي الجراحية الدقيقة عبر سلسلة عمليات إعادة رسملة بنوك ومصارف تعتبر أكبر من أن تقع وتركيب سيرومات الإنقاذ لتلك المؤسسات المتعثرة لمساعدتها على مواجهة النقص في الغذاء والسوائل لتراجع جودة أصولها وتدني تصنيفها الإئتماني.
“الطبيب” الشهير جون كينز يصف دواء السياسات المالية التوسعية في وصفته لجميع الدول المرضى بالكساد حيث يكون الطلب الكلي الخاص في أدنى مستوياته خاصة الطلب الاستثماري بالرغم من أن معدلات الفائدة أيضاً منخفضة وذلك لأن المستثمرين متشائمين حول مستقبل الاقتصاد. وإن استمر حال المريض هكذا فإن الإنفاق الاستثماري سيبقى على حاله ما يجعل الطلب الكلي منخفضاً، وهنا يرفع ظل قادم من بعيد ييدعى الحكومة قائلاً .. أنا سأنفق حتى ينمو الاقتصاد.
طلاب كينز يرون أن فترات الرواج والإنتعاش هي أنسب وقت لشرب دواء التقشف وليس الكساد. ويروج معارضو كينز فكرة أن الأسواق ستعمل بشكل صحيح بدون تدخل حكومي على المدى البعيد، لكن عندما يحين ذلك المدى يكون الجميع قد مات.
هناك من يرى أن شد الحزام والتقشف دواء خطير لثلاثة اعتبارات:
1- التقشف له آثار جانبية غير متوقعة
2- التقشف يعيد توزيع الدخل بشكل غير متساوي
3- التقشف لا يمكن تطبيقه على جميع المرضى بنفس الوقت.
استعمل التقشف على عدة دول حول العالم وكانت أبرز آثاره أنه يؤدي إلى تراجع الطلب العالمي ومعدلات النمو. فمثلاً التقشف الأوربي أدى إلى تراجع النمو الصيني والأمريكي بإعتبار القارة العجوز أكبر أسواق تصريف العالم.
أما دولنا النفطية العربية خاصة التي يشكل الذهب الأسود مصدر الدخل الرئيسي تأثرت بإنخفاض صادراتها لدول التقشف.
وأخيراً إن أهم مرض يشفيه التقشف هو تراجع معدلات التضخم نتيجة تراجع الطلب الكلي. وهنا يكمن أن نقول للمرضى بالتضخم .. شدو الحزام وتقشفوا.
اقرأ أيضاً: اقتصاديات التقشف Austerity و كل ما تود أن تعرفه عن أزمة الديون اليونانية
Comments are closed.