مضى نصف العمر وأكثر ..
“هناك من يموت في الثلاثين، ويدفن في الثمانين” عبدالرحمن جمال المراكبي
ها قد انتصف العمر وأكثر، أجدني على الدرجة الأولى، عارياً بعد كساء، جائعاً بعد شبع، عطشاً بعد ارتواء، سارحاً بعد تركيز، ميتاً بعد حياة.
لست ممن يحتفلون بسنين عمرهم الذابلة، ولا ممن ينفخون الشموع ولا يقطعون الكاتو، والمرة الوحيدة – وهي الأولى والأخيرة – التي احتفوا بي فيها كانت في سن العاشرة، بعد مرور خمسة أيام تذكروا .. وعلى عجل خبزوا .. وبدون شموع نفخو .. وكان الكاتو مخبوصاً لكن لا بأس فالإحتفال بمعناه لا شكله.
ماذا فعلت بثلاثِ عجاف؟ لا شيء كثير. لنقل أن أول زوجِ منها كانت استهلاك، أخذ بلا عطاء. وفي الأخير بعضٌ منه. على قدر ما تستطيع الكف أن تعطي والنفس أن تبذل والروح أن تهب.
لا أعرف بعد على أية سكة أقف، أفي الحرف؟ أم العين؟ أم الكلام؟ رجلي الآن على طريق الحرف لكنّ آخره مجهول. ودائماً عرضة لشيء غامض يخطفك فجأة فينقلك لسكة أخرى. لم أعد أنظر للمخططات ولا أرسم طريقاً مفصلاً نحو كل خطوة، بل كتايغر وودز أكتفي بتخطيط الحفرة التالية وفي بالي الحفرة الأخيرة.
كانت محاولة، بدأت بلا تخطيط، عاشت طرية بسيطة، ماتت ضحية طريق الرحيل والتنقل كبدوي يبحث عن جزيرة أنّى رأها استوطن. فهل نحاول من جديد؟ هذا ما يفعله البقية، ينسى ويعيد الكرّة لعل طريقه يهتدي إلى الحضرية الآن.
أما حديث النفس فهو ذو شجون، فالسنوات الأخيرة غرست أظافرها الحادة عميقاً داخلاً لمست أوتاراً طرية كادت أن تقطعها أحياناً. ولم تكتفي بغرسها بل راحت تحركها فتعصر ألماً لا يبرح.
بدأت أعراض الغرس تظهر على السطح وفي الأفعال، فأنزى إلى قوقعتك التي استوحيتها من خليفة لكنها مضاعفة. فهي تشبهها بضيق الفضاء والروح لكنها أعمق من حيث المسببات، فلا أنت تريد أن تَقتل ولا أن تُقتل. ليس حباً بالحياة ولا هرباً من الموت بطبيعة الحال فكلاهما صديق دائم على مائدتي، انما هرباً من معركة لا طائل لها ومنها وبها وفيها.
لا أعرف لم أكتب هنا، سأتابع غرس سكيني وأنيني على الورقة التي تستقبل برحابة كل ما أخطها فوقها، بعكس الناس جميعاً.
ومضى نصف العمر وأكثر..
بمناسبة ميلادي الثلاثين
كل عام وانت بخير 🙂 لسا في كتير صديقي وعملنا كتير بس الحظ والحياه ماشيه عكسنا نحن السوريين فصبرا ً 🙂