هل تعتقد ان الليبرالية هي اصل كل مشاكلنا ؟
يبدو ان الانهيار المالي والكوارث البيئية وحتى صعود دونالد ترامب سببه في جزء منه هو الليبرالية التي لعبت دورا هاما فيه والسؤال لماذا فشل اليسار في تحقيق مهامه وايجاد بديل لهذه الايديولوجية
تخيل لو أن شعب الاتحاد السوفيتي لم يسمع عن الشيوعية. الأيديولوجية التي تهيمن على حياتنا ، بالنسبة لمعظمنا جرب ان تذكر ذلك في نقاش او محادثة وستتم مكافأتك بلا مبالاة. حتى لو كانوا سمعوا بها من قبل فإنهم سيجدون صعوبة في تعريفها.
الليبرالية الجديدة: هل تعرف ما هي ؟
عدم الكشف عن هويتها يعد علة وسبب من اسباب قوتها في نفس الوقت حيث لعبت دورا رئيسيا في تشكيلة رائعة من الأزمات: الأزمة المالية من 2007-حتى 2008 واخراج الثروة من البلاد بالاستخدام المسيء للسلطة الذي كشفت عنه أوراق بنما ، والانهيار البطيء للصحة العامة والتعليم وارتفاع عدد الفقراء من الاطفال وانتشار وباء الشعور بالوحدة، وانهيار النظم الإيكولوجية، وصعود دونالد ترامب. ولكننا نتجاوب مع هذه الأزمات وكأنها تظهر في عزلة، غير مدركين أنها كانت جميعها إما يتم تحفيزها أو تتفاقم من قبل نفس الفلسفة المتماسكة. الفلسفة التي كان لديها اسم .
ماهو اوسع من السلطة التي يمكن ان تكون هناك بشكل اقوى ويتم ادارتها من قبل مجهولين ؟
ان درجة انتشار الليبرالية جعلت من النادر الاعتراف بها على انها ايديولوجية . يبدو أننا قبلنا الافتراض القائل بأن هذه هي المدينة الفاضلة، والإيمان الذي يصفها بكونها قوة محايدة؛ كنوع من القانون البيولوجي، مثل نظرية التطور لداروين. لكن الفلسفة نشأت على أنها محاولة واعية لإعادة تشكيل حياة الإنسان وتحويل مركز السلطة.
ترى النيوليبرالية المنافسة على أنها السمة المميزة للعلاقات الإنسانية. وتعيد تعريف المواطنين كمستهلكين، على انها افضل تعبير عن تجاربهم في الديمقراطية من خلال عمليات البيع والشراء، وهي العملية التي تكافئ الجدارة وتعاقب الكفاءة. وتصر على أن “السوق” يحصل الفوائد التي لا يمكن أبدا أن تتحقق عن طريق التخطيط.
يتم التعامل مع المحاولات للحد من المنافسة بشكل مناف للحرية. بحيث يتوجب ان تكون الضرائب والتنظيم بحدها الادنى ، وينبغي خصخصة الخدمات العامة. يتم تصوير منظمة العمل والمفاوضة الجماعية من قبل النقابات العمالية بانها تشوه السوق و تعيق تشكيل التسلسل الهرمي الطبيعي من الفائزين والخاسرين. وتعيد صياغة عدم المساواة على النحو التالي: مكافأة على تحقيق المنفعة التي تولد الثروة، والذي يساهم بإثراء الجميع. كما ان الجهود المبذولة لخلق مجتمع أكثر مساواة على حد سواء يمكن ان يحدث نتائج عكسية ويساهم بحدوث تدمير اخلاقي .باعتبار ان السوق يضمن أن يحصل الجميع على ما يستحقون.
علينا استبطان واستخراج المعتقدات التي تقول بأن الأغنياء يقنعون أنفسهم بأن ثرواتهم المكتسبة جاءت من خلال جدارتهم ، ويتجاهلون المزايا مثل التعليم والميراث والطبقة التي ربما تكون قد ساعدتهم في كسب ثروتهم بينما الفقراء يبدأون في لوم أنفسهم لفشلهم، حتى عندما يمكن ان يقوموا بفعل الكثير لتغيير ظروفهم.
ناهيك عن البطالة الهيكلية: إذا لم يكن لديك وظيفة ذلك لآنك غير مبدع. ناهيك عن تكاليف السكن المستحيلة: إذا بلغت بطاقتك الائتمانية حدها الاقصى فذلك لكونك مسرف ناهيك عن أطفالك اذل لم يعد لديهم ملاعب في مدرستهم وإذا كنت تسمن فهذا نتيجة خطأ منك في عالم تحكمه المنافسة، أولئك الذين يتأخرون يطلق عليهم الخاسرون
ومن بين النتائج، وثائق بول فيرهاغي في كتابه ماذا عني؟ يتحدث فيه عن تفشي وباء ايذاء الذات، واضطرابات الأكل، والاكتئاب، والشعور بالوحدة والقلق والرهاب الاجتماعي. ربما ليس من المستغرب أن بريطانيا، التي طبقت أيديولوجية الليبرالية الجديدة بأقصى قدر من الدقة، هي عاصمة الوحدة الاوروبية لذلك فنحن جميعا ليبراليون الآن.
تم صياغة مصطلح النيوليبرالية في اجتماع عقد في باريس عام 1938. وكان من بين المندوبين رجلان حددا تعريف الاديولوجية، لودفيغ فون ميزس وفريدريك هايك. كانا منفيين من النمسا، رأوا ان الديمقراطية الاجتماعية، تجسدت في العقد الجديد لفرانكلين روزفلت والتطور التدريجي لدولة الرعاية الاجتماعية في بريطانيا، والمظاهر الجماعية التي احتلت نفس النطاق الذي كان سائدا في عصر النازية والشيوعية.
في كتاب الطريق إلى العبودية، الذي نشر عام 1944، قال هايك إن التخطيط الحكومي عن طريق سحق الفردية من شأنه أن يؤدي حتما إلى السيطرة الشمولية. وفي كتاب مايز عن البيروقراطية، فقد كان كتاب الطريق إلى العبودية يقرأ على نطاق واسع. وحصل على اهتمام من بعض الأثرياء ، الذين رأوا في فلسفته فرصة لتحرير أنفسهم من التنظيم والضرائب وفي عام 1947، حينما اسس هايك أول منظمة من شأنها أن تنشر مذهب الليبرالية الجديدة – جمعية بيليرين مونت – فقد حصل على دعم مالي من المليونيرين ومؤسساتهم مع مساعدتهم، بدأ بانشاء ما وصفه دانيال ستيدمان جونز في درجة الماجستير بأنه “نوع من الليبرالية الجديدة الدولية” حيث ضمت شبكة الأطلسي عددا من الأكاديميين ورجال الأعمال والصحفيين والناشطين.
وتم تمويل داعمي حركة الاغنياء من مراكز البحوث التي من شأنها تحسين وتعزيز هذه الايديولوجية. وكان من بينهم معهد أميركان إنتربرايز، ومؤسسة التراث، ومعهد كاتو، ومعهد الشؤون الاقتصادية، ومركز الدراسات السياسية ومعهد آدم سميث. كما أنها كانت تمول المناصب والإدارات التعليمية، وخاصة في جامعات شيكاغو وفيرجينيا..
مع تطورها، أصبحت الليبرالية الجديدة أكثر حدة. ومن وجهة نظر هايك فإنه يتوجب على الحكومات أن تنظم المنافسة لمنع الاحتكارات من خلال تشكيل مجال اخر لبعض الحواريين الأمريكيين مثل ميلتون فريدمان – للاعتقاد بأنه يمكن النظر إلى سلطة احتكارية كمكافأة على الكفاءة.
شيء آخر حدث خلال هذه المرحلة الانتقالية: الحركة فقدت اسمها. في عام 1951، كان فريدمان سعيدا لوصف نفسه بأنه نيو لبيرالي ولكن بعد فترة وجيزة، بدأ هذا المصطلح بالاختفاء. والاغرب، أصبحت هذه الايديولوجية هشة واصبحت الحركة أكثر تماسكا، ولم يتم استبدال اسمها الذي فقدته بأي بديل مشترك.
في البداية، على الرغم من تمويلها السخي، بقيت الليبرالية الجديدة على الهامش . وكانت الاراء متفقة حولها بعد الحرب وكادت ان تكون عالمية حيث تم تطبيق الوصفات الاقتصادية لجون ماينارد كينز على نطاق واسع، فيما يخص العمالة الكاملة، والإغاثة من الفقر كانت من الأهداف المشتركة في الولايات المتحدة وأغلب دول أوروبا الغربية، وكانت معدلات الضرائب عالية والتمست الحكومات النتائج الاجتماعية دون حرج، وتم تطوير الخدمات العامة وشبكات الأمان.
لكن في 1970 عندما بدأت السياسات الكينزية بالانهيار وضربت الأزمات الاقتصادية جانبي المحيط الأطلسي، بدأت الأفكار الليبرالية الجديدة بدخول التيار الرئيسي. كما يقول فريدمان انه عندما يحين الوقت فإنك تضطر للتغيير وكان هناك بديل جاهز ويمكن الحصول عليه. مع مساعدة من الصحفيين المتعاطفين والمستشارين السياسيين، وعناصر من الليبرالية الجديدة، وخاصة وصفاتها الخاصة للسياسة النقدية، التي اعتمدت من قبل إدارة جيمي كارتر في الولايات المتحدة وحكومة جيم كالاهان في بريطانيا.
بعد تولي مارغريت تاتشر ورونالد ريغان السلطة تبع ذلك مجموعة من السياسات الاقتصادية منها تخفيضات ضريبية هائلة للأغنياء، وسحق النقابات، وإلغاء القيود والخصخصة والاستعانة بمصادر خارجية والمنافسة في الخدمات العامة. وتم فرض السياسات الليبرالية الجديدة في كثير من الأحيان دون موافقة في كثير من بلدان العالم وذلك من خلال صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومعاهدة ماستريخت ومنظمة التجارة العالمية، وكان ملحوظا انه تم اعتمادها من قبل الأطراف التي كانت تنتمي إلى اليسار: حزب العمال والديمقراطيين، على سبيل المثال. كما يلاحظ ستيدمان جونز انه من الصعب التفكير بان المدينة الفاضلة ستتحقق بصورة كاملة
قد يبدو غريبا أن حرية الاختيار قد تم الترويج لها بشعار “لا يوجد بديل”. ولكن، كما لاحظ هايك في زيارته إلى شيلي بينوشيه – واحدة من أوائل الدول التي تم تطبيق البرنامج بشكل شامل – “مبينا انه يفضل شخصيا ان يكون في دولة ذات توجه ديكتاتوري ليبرالي بدلا من حكومة ديمقراطية خالية من الليبرالية”. ان الحرية تقدمها نيوليبرالية ، والتي تبدو كخدعة عندما يعبر عنها بشكل عام ، إذا ما تبين ان الحرية في القمة، وليست في القاع
ان التحرر من النقابات العمالية والمفاوضات الجماعية تعني التحرر لقمع الأجور. كما ان التحرر من التنظيم تعني حرية من الأنهار السامة التي تشكل خطرا على العمال وتكون مسؤولة عن معدلات الفائدة الظالمة التي تصمم الأدوات المالية.كما ان التحرر من الضرائب تعني التحرر من توزيع الثروة الذي ينشل الناس من الفقر.
بينت وثائق نعومي كلاين في مذهب الصدمة، ان منظري الليبرالية الجديدة نادوا باستخدام الأزمات لفرض سياسات لا تحظى بشعبية لتشتيت انتباه الناس:
على سبيل المثال، في أعقاب انقلاب بينوشيه، وحرب العراق وإعصار كاترينا، التي وصفها فريدمان بأنها “فرصة لإصلاح جذري في النظام التعليمي “في نيو أورليانز حيث لا يمكن فرض سياسات الليبرالية الجديدة محليا، وبالتالي يتم فرضها على المستوى الدولي، من خلال معاهدات التجارة التي تتضمن “تسوية المنازعات بين المستثمرين والدولة” والمحاكم الخارجية التي تمكن الشركات من الضغط لإزالة الحماية الاجتماعية والبيئية. مثلا عندما صوت البرلمان لتقييد مبيعات السجائر، وحماية امدادات المياه من شركات التعدين، وتجميد فواتير الطاقة أو منع شركات الأدوية من تمزيق للدولة، وقد تم رفع دعوى ضد الشركات، وكانت تنجح في كثير من الأحيان. في هذه الحالات ينخفض صوت الديمقراطية
مفارقة أخرى من الليبرالية الجديدة هي أن المنافسة العالمية تعتمد على تقدير عالمي وعلى المقارنة. والنتيجة هي أن العمال والباحثين عن عمل والخدمات العامة من كل نوع يخضعون للمهتمين بالتفاصيل الصغيرة التي ليس لها قيمة اضافة لخنق نظام التقييم والرصد، الذي يهدف إلى تحديد الفائزين ومعاقبة الخاسرين. والمبدأ الذي اقترحه فون ميزس سيحررنا من كابوس البيروقراطية ومن التخطيط المركزي من خلال انشاء نظام بديل له
لم تصمم الليبرالية الجديدة كوسيلة لخدمة المصالح الذاتية، ولكن سرعان ما أصبحت كذلك. وكان من الملحوظ بان النمو الاقتصادي في عصر الليبرالية الجديدة (منذ عام 1980 في بريطانيا والولايات المتحدة) كان ابطئ مما كان عليه في العقود السابقة؛ ولكن ليس للأغنياء جدا. اضافة لعدم المساواة في توزيع الدخل والثروة، وبعد 60 سنة من التراجع، ارتفع النمو بسرعة في هذا العصر، ويرجع ذلك إلى سحق النقابات، وتخفيض الضرائب، وارتفاع الإيجارات، وإجراءات الخصخصة.
وقد مكنت خصخصة الخدمات العامة مثل الطاقة والمياه والقطارات والصحة والتعليم والطرق والسجون الشركات لإقامة نقاط لتحصيل الرسوم أمام الأصول الأساسية والريع او الايجار، سواء للمواطنين أو للحكومة، لاستخدامها. وبالتالي فإن الريع بتعبير آخر الحصول على دخل غير مكتسب. عند دفع أسعار مبالغ بها للحصول على تذكرة القطار، فإن جزء من أجرتها يعوض من خلال المشغلين الذين يحصلون على المال و ينفقونه على الوقود والأجور والمعدات والنفقات الأخرى. وتعكس بقية الحقيقة أنك تحت رحمة شخص ما وبموقف العاجز عن فعل اي شيء
أولئك الذين يمتلكون ويديرون الخدمات في القطاع الخاص أو شبه خصخصة في المملكة المتحدة تجعل ثرواتهم تزداد من خلال استثمارها قليلا وفرض اسعار عالية. في روسيا والهند، استحوذت القلة على الأصول المملوكة للدولة عندما لجأت لبيعها بسعر منخفض حين واجهت الافلاس. في المكسيك، تم منح كارلوس سليم السيطرة والتحكم بخدمات الهاتف الثابت والهاتف المحمول تقريبا وسرعان ما أصبح أغنى رجل في العالم.
عمليات التمويل او المؤسسات المالية كما يشير اليها أندرو الساير بقوله لماذا لا نستطيع تحمل الغني الذي له تأثير مماثل. مضيفا مثل الإيجار كما يقول بان الفائدة … دخل غير مكتسب تتراكم دون أي جهد مايساهم بان يزداد الفقراء فقرا والأغنياء يزدادون غنى، ويكتسب الاغنياء سيطرة على اصول اخرى اكثر اهمية : المال و مدفوعات الفائدة وانتقال الأموال من الفقراء إلى الأغنياء. مع ارتفاع أسعار العقارات وانسحاب الدولة التمويل يحمل الناس ديونا (التفكير في التحول من منح الطالب الى القروض الطلابية)، والمصارف وارباح ومكاسب مديريها التنفيذيين.
يقول احدهم اتسمت العقود الأربعة الماضية بنقل الثروة ليس فقط من الفقراء إلى الأغنياء، ولكن ضمن صفوف الأثرياء: من أولئك الذين يكسبون المال من خلال إنتاج سلع أو خدمات جديدة لأولئك الذين يجنون اموالهم من خلال التحكم في الأصول الحالية والإيجار ويحصدون الفوائد أو الأرباح الرأسمالية. وقد حل الدخل المكتسب محل الدخل غير المكتسب وتعاني السياسات النيوليبرالية في كل مكان من إخفاقات السوق. ليس فقط كبرى المصارف هي التي تفشل كذاك الشركات المكلفة بتقديم الخدمات العامة. كما أشار توني جودت الى ان هايك نسي أن الخدمات المحلية الحيوية لا يمكن السماح لها بالانهيار، مما يعني أن المنافسة لا يمكن أن تأخذ مجراها. وبالتالي فإن صاحب العمل يكسب الارباح في حين ان الدولة تحافظ على المخاطر.
كلما زاد الفشل يزداد التطرف الفكري او العقائدي . وتستخدم الحكومات أزمات الليبرالية الجديدة على حد سواء كعذر وفرصة لخفض الضرائب وخصخصة ما تبقى من الخدمات العامة وتمزيق الثقوب المتبقية في شبكة الأمان الاجتماعي وازالة القيود عن الشركات وإعادة تنظيم المواطنين. الدولة تصبح اكثر كرها لذاتها وتغرق بانيابها في كل جهاز من أجهزة القطاع العام.
ولعل الأثر الأكثر خطورة من الليبرالية الجديدة ليست الأزمات الاقتصادية التي تسببت بها ولكن الأزمة السياسية. كما يتم تقليل نطاق ملكية الدولة وتصبح قدرتناعلى تغيير مسار حياتنا عن طريق التصويت قليلة. بدلا من ذلك تؤكد نظرية الليبرالية الجديدة انه يمكن للناس ممارسة الاختيار من خلال الإنفاق لكن البعض يكون لديهم قدرة على الانفاق أكثر من غيرهم وبالتالي يكون كمستهلك او مساهم بشكل كبير في الديمقراطية خاصة وان التصويت ليس موزعا بالتساوي والنتيجة هي عدم تمكين للفقراء والطبقة الوسط من التصويت والمشاركة .وهذا ماحدث لاحزاب من اليسار واليمين قاموا باعتماد سياسات الليبرالية الجديدة مماثلة لكن للاسف تحول عدم تمكين الفقراء من التصويت الى اقصاءهم تماما من التصويت لقد تم ازاحة أعداد كبيرة من الناس عن السياسة.
يبين كريس هيدجز أن الحركات الفاشية نشات بالاعتماد على اشخاص غير ناشطين سياسيا بمعنى الخاسرون الذين يشعرون في كثير من الأحيان بطريقة صحيحة بان ليس لديهم صوت أو دور يقومون به في المؤسسة السياسية . وبالتالي عندما لم يعد النقاش السياسي يتحدث الى الناس تصبح الناس اكثر استجابة بدلا من اطلاق الشعارات والرموز والعواطف. مثال على ذلك المعجبين بترامب نجد ان الحقائق والحجج تبدو لا صلة فيما بينها
وفسر جودت أنه عندما يكون هناك مجموعة من العناصر تتفاعل بين الشعب والدولة فإن ذلك يؤدي الى انخفاض مستوى التفاعل الى مجرد سلطة وطاعة وتبقى قوة الدولة هي القوة الوحيدة التي تربط بين المواطن والدولة ومن المرجح أن تظهر عند الحكومات، بعد أن تفقد سلطتها الأخلاقية التي تنشأ من تقديم الخدمات العامة ويخشى حايك بان هذا الانخفاض بمستوى العلاقة بين المواطن والدولة يصل الى مرحلة التملق والتهديد وقد ينتهي بإجبار الناس على الانصياع لها مثل الشيوعية والليبرالية الجديدة لكن المذهب الكسول يترنح على أحد الأسباب ويفضل عدم الكشف عن هويته أو بالأحرى مايطلق عليه مجموعة بلا اسم.
يتم الترويج للمذهب غير المرئي من يد خفية مدعومة من قبل اشخاص غير مرئيين. ببطء و ببطء شديد بدأنا نكتشف أسماء عدد قليل منهم. نجد أن معهد الشؤون الاقتصادية الذي أكد بقوة في وسائل الإعلام انه ضد مزيد من التنظيم لصناعة التبغ قد تم تمويله سرا من قبل شركة التبغ البريطانية الأمريكية منذ عام 1963. نحن نكتشف أن تشارلز وديفيد كوخ من أغنى الرجال في العالم أسسا المعهد الذي أسس حركة حزب الشاي. ونجد أن تشارلز كوتش من احدى مؤسسات الفكر والرأي أشار إلى أنه لتفادي الانتقادات غير المرغوب بها، وكيفية التحكم في التنظيم والتوجيه وينبغي أن لا يتم اعلان ذلك على نطاق واسع
غالبا ماتخفي الكلمات التي تستخدمها النيوليبرالية أكثر مما تقصده. مثلا “السوق” يبدو وكأنه نظام طبيعي قد يؤتي بنتائجه على الجميع بالتساوي مثل الجاذبية أو الضغط الجوي. ولكنه محفوف بعلاقات القوة. حيث نجد ان مايريده السوق المقصود به مالذي تريده الشركات ورؤسائهم الاستثمار كما يلاحظ ساير يعني شيئين مختلفين تماما. واحد لتمويل الأنشطة الإنتاجية المفيدة اجتماعيا والآخر هو شراء الأصول القائمة التي تدفعهم لايجارها وكسب الفوائد والأرباح والمكاسب الرأسمالية.وبالتالي استخدام نفس الكلمة لأنشطة مختلفة يساهم في تمويه مصادر الثروة ، مما يؤدي بنا إلى الخلط بين استخراج الثروة و خلق الثروة.
منذ قرن من الزمان كان يتم استهجان محدثي النعمة من قبل أولئك الذين كان قد ورثوا أموالهم. سعى أصحاب المشاريع لتقبلها اجتماعيا عن طريق تمرير أنفسهم على أنهم المنتفعين. اليوم تم عكس العلاقة المنتفعين والورثة لهم نفس الاسلوب كرجال اعمال ورواد اعمال ويزعمون أنهم يكتسبون اموالهم من دخل غير مكتسب.
هذه المجموعات التي ليس لها اسم وهذه الالتباسات عدم معرفتهم ومعرفة اماكنهم هي باختصار اسلوب او نظام الرأسمالية الحديثة: النموذج الممتاز الذي يضمن أن العمال لا يعرفون لمن يتعبون . كما ان الشركات المسجلة من خلال شبكة من الأنظمة السرية في الخارج معقدة لدرجة أن الشرطة لا يمكن أن تكتشف المستفيدين الحقيقيين من خلال الترتيبات الضريبية التي تخدع الحكومات و المنتجات المالية التي لايمكن فهمها .
ويحرصون على عدم الكشف عن هويتهم النيوليبرالية بشراسة. البعض يصفون أنفسهم بأنهم الليبراليون الكلاسيكيون أو الاحرار ، ولكن هذه الأوصاف على حد سواء مضللة والغريب انها تسلط الضوء على الذات كما أنها تشير إلى أنه لا يوجد شيء من رواية الطريق إلى العبودية او البيروقراطية أو الكلاسيكية عند فريدمان او الرأسمالية والحرية.
ومع هذا كله هناك شيء مثير للإعجاب حول المشروع النيوليبرالي على الأقل في مراحله المبكرة. وكان مميز يتمتع بفلسفة مبتكرة عن طريق شبكة متماسكة من المفكرين والناشطين تروج له عبر خطة عمل واضحة كان يتحلى بالصبر والمثابرة و أصبح الطريق إلى العبودية هو الطريق إلى السلطة.
يعكس انتصار الليبرالية الجديدة فشل اليسار. عندما أدى الى مفهوم الاقتصاد القائم على مبدأ دعه يعمل دعه يمر لكارثة عام 1929، وضع كينز نظرية اقتصادية شاملة حلت محله. وعندما انفجرت إدارة الطلب الكينزية في 70s، كان هناك بديل جاهز. ولكن عندما فشلت النيوليبرالية عام 2008 لم يكن هناك شيء بديل ليحل مكانها. لهذا السبب فان عدم المبالاة مازالت قائمة. وللاسف لم ينتج اليسار والوسط أي إطار عام جديد من الفكر الاقتصادي منذ 80 عاما.
ان كل استحضار لقواعد وحلول كينز هو اعتراف بالفشل. وبالتالي فان اقتراح الحلول الكينزية لأزمات القرن ال21 هو تجاهل لثلاث مشاكل واضحة. ومن الصعب حشد الناس حول الأفكار القديمة. والعيوب التي تعرض لها كينز في السبعينيات لم تذهب بعيدا والأهم من ذلك فالناس لا يملكون شيئا ليقوله عن مأزقنا الخطير : فمثلا الأزمة البيئية نجد ان النظرية الكينزية تعمل عن طريق تحفيز الطلب على السلع الاستهلاكية لتعزيز النمو الاقتصادي لكن للاسف فان طلب المستهلكين والنمو الاقتصادي هي محركات الدمار البيئي.
يظهر تاريخ كل من الكينزية والليبرالية الجديدة أن هذا لا يكفي لمعارضة نظام محطم. وثمة بديل متماسك لابد ان يتم اقتراحه من قبل حزب العمال والحزب الديمقراطي واليسار على نطاق أوسع وينبغي أن تكون المهمة الرئيسية تطوير برنامج أبولو الاقتصادي كمحاولة واعية لتصميم نظام جديد مصمم خصيصا لمتطلبات القرن ال21.
من كتاب How did we get into this mess للمؤلف جورج مونبيوت
ترجمة إيفلين المصطفى
طبعا الليبيرالية المتوحشة على الطريقة الأمريكية مرفوضة ، لأنها تقتل الإنسانية في سبيل المردودية. خير الأمور أوسطها. لا ليبيرالية متوحشة و لا شيوعية تقتل ايضا الإنسان.