عندما يصبح الاستثمار عبادة
سنبدأ الحديث من خلال التفكر بالآية الكريمة “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” ، فعند التفكير بأن الله عز وجل وعدنا برضاه من خلال الإنفاق من أموالنا التي نحب أن نمتلكها لنستمتع بنعمها ، ندرك مدى أهمية وقيمة الإنفاق واستثمار إنفاقنا ليعيش جميع أفراد المجتمع في رفاه وسعادة وتوازن،
ومن المعروف بأن الأوقاف تعتبر من أهم قنوات الإنفاق في التشريع الإسلامي والتي يصل ثوابها للإنسان في حياته وبعد مماته .
لن يساعدنا التفكير بشكل ديني فقط
لا يمكن التفكير في الأوقاف بشكل ديني فقط دون اعتبارها مشاريع استثمارية لها أهدافها الاقتصادية التي تتكامل بالضرورة مع مفهوم السعي لتحصيل الأجر والثواب الذي يرجوه العبد من خالقه دائماً.
إن الفكر الذي تتبناه أغلب المؤسسات الوقفية على أنها مؤسسات دينية تعتني بشؤون المساجد والدين فقط ،أدى إلى تركيز الدراسات الخاصة بالأوقاف على البعد الديني، وانحسار دور الوقف في النواحي الروحانية البحتة دون النظر بشكل جاد إلى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والمالية للوقف ، وعدم الأخذ بعين الاعتبار بأن الأموال والممتلكات الوقفية جزء مهم ورئيس من ثروة المجتمعات الإسلامية واقتصاداتها، وأن هذه الثروة من الممكن استثمارها وإدارة أموالها بشكل علمي صحيح شأنها شأن المشاريع الاستثمارية الأخرى.
لماذا لا نستخدم الاقتصاد ؟
وبلغة اقتصادية، يمكننا القول بأن أموال الوقف ليست سوى كتل مالية يجب إدارتها كمشاريع استثمارية ناجحة لها أثرها الأكيد في تخفيف الأعباء عن موازنة الدول والمساهمة في تحقيق الاكتفاء للمجتمع المسلم ككل في العديد من المجالات التقليدية التي تقدم الخدمات التعليمية والاجتماعية والصحية وحتى خدمات البنية التحتية ،بالإضافة إلى المجالات الغير تقليدية التي تصل إلى علوم الفضاء وتقدم الإنسان .
ونظراً لاختلاف مشاريع الوقف عن مشاريع المجتمع المدني بكونها مشاريع اقتصادية واجتماعية تنظمها قواعد الشريعة الإسلامية وفق ضوابط شرعية ، يتطلب الأمر الاعتماد على مبادئ وأسس مالية ورقابية تتماشى مع خصوصيتها، ولنكون أكثر واقعية وقرب من الموضوع اقتصادياً ، علينا تحديد الأدوات المالية التي تكون مناسبة لاستثمار أموال الأوقاف، ومدى اتفاق هذه الأدوات مع القواعد الشرعية، ودورالوقف في تحقيق أهدافه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية من جهة ،ومدى اعتبار مشاريع الأوقاف مشاريع ناجحة ذات عوائد مالية عالية من جهة أخرى .
النظر من خلال زاوية جديدة
علينا التفكير من جديد في اتخاذ القرار نحو تحويل النظرة الجامدة تجاه الوقف إلى نظرة أكثر مرونة وفاعلية تخدم المجتمعات بشكل حقيقي ، بحيث يكون الوقف شريكاً فعلياً في التنمية الشاملة من خلال إدارة واستثمار أموال المشاريع الوقفية اعتماداً على أدوات الاستثمار المالية الإسلامية المناسبة .
ولا شكَّ في أنَّ أفضل ما يُتَعَبَّد به بعد الفرائض من سائر النوافل ما كان نفعها متعديًا، كالأوقاف وسائر التبرعات، فكيف بمن يسعى لاستثماها لتكون ذات نفع أعظم، ولاسيما أنَّه لا يمكن المحافظة على الوقف إلا مِن خلال استثماره، وقد تقرّرفي الدين الإسلامي الحنيف أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وبالتالي اتباع أفضل طرق الاستثمار لمشاريع الوقف أصبح أمراً واجباً .
” لا فقر في المجتمع المسلم “
على المؤسسات المالية الإسلامية وغيرها من المؤسسات الاستثمارية والاجتماعية في الدول السعي بشكل جاد لتبني أموال الأوقاف بالتعاون مع الجهات الحكومية المسؤولة عن الأوقاف سعياً لتحقيق التوازن الاقتصادي الاجتماعي الذي يؤثر ويدعم مفهوم ” اللافقر في المجتمع المسلم “، كيف لا وقد وجدت كل أسرار سعادة البشر في تعاليم الدين الإسلامي الكامل، الحلول موجودة لدينا ،نحتاج فقط تطبيق هذه الحلول الربانية .
أرباح مشاريع الأوقاف لها طبيعة خاصة
هنا لا بدَّ من التأكيد على وجوب الموازنة الدقيقة بين المخاطر والعائد من خلال السعي إلى تحقيق أعلى مستوى من الأرباح، مع اجتناب الاستثمارات ذات المخاطر المرتفعة .
ومن الضروري النظر إلى أرباح المشاريع الوقفية على أنها ذات عائد اجتماعي لايمكن للمشاريع الاقتصادية الخاصة تحقيقها ؛ العائد الاجتماعي هو من التثمير الأمثل للوقف.
التوعية نقطة بداية
نحتاج إلى برامج توعية تركز على أهمية الأوقاف وأساليب استثمار أموالها من خلال المؤسسات المالية الإسلامية وتوضح أهمية تعاون كافة الجهات للتعامل مع أموال الأوقاف على أنها مشاريع ناجحة ورابحة تستخدم المعادلة الاقتصادية لتكون مشاريع فعالة لها دور تؤديه لخدمة المجتمع .
أترك هذه المسؤولية على عاتق الجهات المسؤولة عن الربط بين أصحاب أموال الوقف وبين المؤسسات المالية الإسلامية والمتخصصين في إدارة واستثمار المشاريع الاقتصادية ، لتكوين النموذج الصحيح الذي يعطي أموال الوقف لوناً جديداً يعتبر الأوقاف مصدر من مصادر الثروة الأكثر أهمية .
بقلم: أحمد طرابلسي
Comments are closed.