تجربتي الفاشلة في بيع التأمين والدروس المستفادة
ذات مرة حضرت معرض توظيف في جامعتي، وبما أني أدرس بتخصص مالي فكانت المصارف وشركات التأمين غايتي للبحث عن وظيفة، وبالفعل قدمت سيرتي الذاتية لدى عدة شركات، ومرت الأيام واتصلت بي إحدى شركات التأمين، على عجل ارتديت بذلة رسمية وحيدة لا أملك غيرها استخدمها للمناسبات الخاصة وانطلقت ليلاً، بعد ساعات خرجت من المقابلة والوظيفة أصبحت في جيبي.
كانت شركة تأمين خاصة فتحت مكتبها في حلب منذ مدة قريبة وتريد التوسع بأعمالها فكانت بحاجة لفريق مبيعات الذي كنت أحد أعضائه. خلال الأسبوعين التاليين خضعنا لتدريب مكثف عن التأمين ومفهومه ومنتجات الشركة من قبل خبراء من طرفها، كما قسمنا لفريقي مبيعات لكل منهم رئيس فريق يتولى إدارته.
انتهى التدريب وحان وقت الجد وانطلقنا في السوق لنبدأ البيع .. لكن سرعان ما بدأ الأمل يخبو .. حتى انطفى لدي .. فشلت التجربة ولم أوفق بتحقيق الأرقام البيعية المطلوبة وسرعان ما طردتني الشركة مع العشرات الآخرين، لتوظف غيرنا وتطرد من يفشل .. وهكذا حتى يتكون لديها فريق ناجح من موظفي المبيعات.
كان المسمى الوظيفي الخاص بي هو مستشار تأمين، أي ليس مندوب ولا رجل مبيعات لكنه كذلك، الإختلاف هنا أن الخدمة التي نبيعها ليست نمطية في الغالب، أي يتم تفصيلها على حسب كل زبون لذا هناك دور كبير للاستشارات والتفاوض. على كل هذا العمل وفي البيئة العربية وبهذا الشكل واجهت فيه الكثير من المصاعب سأذكرها هنا على شكل نقاط:
1- ثقافة التأمين لم تكن منتشرة بالشكل الكافي في سوريا، واتكلم هنا عن التأمين الاختياري كتأمين الحياة والصحة وغيره، لذا كل زبون محتمل التقي به كنت اعطيه دورة سريعة بمعنى التأمين وأهميته ثم اعرض عليه المنتجات التأمينية المتاحة وبالطبع الرد يكون سلبياً. هذا يعني أن عليك جهد إضافي وهو التوعية بعدها عرض الخدمات وبيعها. المثير للضحك أننا كنا نبحث عن الزبائن بينما في الغرب الزبون يبحث عن الشركة وغالباً لاتوظف لديها فريق مبيعات !.
2- النظرة السلبية تجاه شركات التأمين، أي من يعرف معنى وأهمية التأمين – إن كان هناك – كان يظن الشركات نصابة وانا مجرد محتال أتربص بمحفظة أمواله. في هذا معهم بعض الحق لأن شروط بوالص التأمين كانت توضع بطريقة محترفة بحيث يعتقد الزبون أن الشركة تبذل كل ما في وسعها للتهرب من التغطية. لكن أيضاً الشركة كانت تواجه زبائن محتالين يفتعلون الأضرار بطريقة تجعلهم ينالون التغطية.
3- كانت الشركة تعمل بطريقة غربية ولاتصلح ببيئتنا العربية. مثلاً كان علينا اجراء مكالمات هاتفية من الشركة وحجز مواعيد مع الزبائن ثم التوجه للقائهم، كانت حلب تستيقظ وتبدأ عملها متأخرة، ليس قبل 11 صباحا لذا نضيع وقتنا في المكتب بدلاً من السوق، وثقافة المواعيد الهاتفية غير موجودة أصلاً، الكثير كان يرفض مجرد لقاء بيننا حتى لو وعدته اني لن أبيعه شيء
4- حتى تبيع عليك أن تتلاعب وتحتال، هذه شبه قاعدة بين كبار الباعة في هذا المجال. يمكنك الكذب وستبيع بوالص كثيرة لكنك تقامر بمستقبلك وبسمعة الشركة. مثلاً لو اغفلت بعض التفاصيل عن البوالص فإنك تجعلها مغرية وسيشتريها الناس لكن عندما يحين موعد التغطية فإنهم يفاجئون بأن وعدك كذب. هنا تكون قد كسبت العمولة لكنك خسرت الزبون وأضررت بالشركة. طبعاً هذا ما رفضت القيام به.
5- لايمكنك اللعب مع الكبار، سوق التأمين عادة في سوريا يعتمد على وكلاء يتعاقدون مباشرة مع الشركات ويجلبون لهم بوالص كثيرة وبسعر أرخص مما لو اشتراها الزبون من الشركة مباشرة والسبب أن الوكيل يجلب مبيعات عالية لهم بالتالي يقدمون لهم خصومات وتفاهمات. أنت كرجل مبيعات تقف أمام حيتان لهم خبرة عشرات السنوات وعلاقات كبيرة مع جهات يمكنها شراء آلاف البوالص
الدروس المستفادة:
1- انا لا أصلح للمبيعات أو مهن الخطوط الأمامية التي فيها احتكاك مباشر مع الزبون
2- بيع الخدمات صعب، بيع التأمين أصعب من خدمات أخرى لأنه شيء جديد ومعقد
3- أخلاقيات العمل أمر خطر، يمكنك الانجرار بسهولة نحو المستنقع، لكن لتكن نظرتك بعيدة وشمولية وليست قاصرة
4- وظائف المبيعات تعتمد في دخلها على عمولات البيع، كانوا يقدمون راتب هزيل لتستخدمه كفواتير هاتف ومواصلات فقط
5- من الخطأ أن تجلب نموذج عمل أمريكي وتطبقه في بلد عربي بدون تعديله ليتلائم مع خصوصية الثقافة.
هل تعتقد بنجاح هذه الشركات لو تم تعديلها بما يتوافق مع المنطقة العربية,مع الأخذ بعين الاعتبار كافة الملاحظات الأخرى؟
ستنج عندما تنتشر ثقافة التأمين وهذا مازلنا بعيدين عنه في غالبية الدول العربية .. الناس تنظر للتأمين على أنه شيء يجب التربح منه وهذا يخالف مفهوم وأساس التأمين بالأصل
عندما تكون هناك ثقافة شراء بوالص التأمين منتشرة، فإن الشركات ستبدع منتجات تأمينية لكل الأخطار والاحتياجات. وبالطبع عليها تعديل اسلوب عملها ليتناسب مع السوق العربي